قال الملحد:"بينما كنت أكتب في هذا الفصل رأيت في سنن أبي داود ثمانية أحاديث في احتجام الصائم خمسة في حظره، وثلاثة في إباحته. وما بين أبو داود أيها الناسخ وأيها المنسوخ؟ ومن رواة الحظر: الإمام أحمد، فمن أين لنا الوقوف على الصواب لو لم يبين الإمام مالك وغيره أن حديث الحظر كان عام الفتح، وحديث، الإباحة كان في حجة الوداع، فالثاني ناسخ للأول؟ ".
أقول: إذا كان هذا الجاهل الأحمق ممن طبع الله على قلبه، وصدق فيه قوله تعالى:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}[الفرقان، الآية:٤٤] فما على الإمام أبي داود وغيره من أئمة أهل الحديث من بأس إذا كان هذا الجاهل الأحمق وأمثاله من المعترضين عن كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا يفهمون منها مواقع الخطاب. ولا حدود الحلال من الحرام، ولا يميزون بين الرخص والعزائم ولا يعرفون الناسخ من المنسوخ، ولا المفصل من المجمل، ولا المقيد من المطلق، ولا الخاص من العام، إلى غير ذلك من القيود والشروط التي يجب معرفتها على كل من يريد أن يعقل عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم أحكام دينه وفقه شريعته. ثم إن هؤلاء الجهلة يزعمون – كذباً منهم- على أئمة أهل الحديث: أنهم لم يتعرضوا لبيان علوم الكتاب والسنة، بل سردوا الأحاديث سرداً في أبوابها على علاتها. وقد بينا بطلان هذه الدعوى بما قدمناه قريباً من ردنا هذا. وبينا فضل أئمة أهل الحديث وما قاموا به من حفظ شريعة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وما أبرزوه لهذه الأمة من أحكامها وغوامض معانيها خالصة نقية، كما خرجت من مشكاة النبوة فقيها