(فصل) : وبالحري أن نذكر في هذا المقام نبذة من سيرة أئمة المذاهب، ليعلم المقتدون بهم أن شرفهم وعلو درجتهم ومكانتهم عند الله تعالى لم يكن بمجرد العلم الظاهر، والتوسع في تفاريع المسائل الفقهية. بل لكونهم من علماء الآخرة جامعين لعلاماتها، متأسين فيها بالصحابة رضي الله عنهم والتابعين والسلف الصالحين. ونبين أن كل واحد منهم كان عابداً وزاهداً، وعالماً بعلوم الآخرة، وفقيهاً في مصالح الخلق، ومعاملات الدنيا ومريداً بفقهه وجه الله تعالى. فهذه خمس خصال اتبعهم فقهاء الفرق من جملتها على خصلة واحدة، وهي التشمير والمبالغة في تفاريع الفقه. لأن الخصال الأربع لا تصلح إلا للآخرة وهذه الخصلة الواحدة تصلح للدنيا وللآخرة أيضاً، إن أريد بها الآخرة فلصالحها للدنيا شمروا لها، وادعوا بها مشابهة أولئك الأئمة، وزعموا أن من طعن فينا فقد طعن فيهم، وطعن في العلماء وفي العلم وهيهات. فلا تقاس الملائكة بالحدادين، بل هم في القيامة أول خصومهم وخصوم أتباعهم الذين انتسبوا إليهم، وانتحلوا مذاهبهم إن أنصفوا أنفسهم. انتهى.
فأين الغزالي رحمه الله تعالى ينظر إلى ما نحن فيه اليوم من الحاج مختار وأمثاله من السفلة الجهلة؟ لا بارك الله فيهم ووقى المسلمين شرورهم. ثم اعلم