وقال الإمام أبو شامة أيضاً في كتاب "المؤمل": وسئل بعض العارفين عن معنى المذهب؟ فأجاب: إن معناه دين مبدل، قال تعالى:{وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً}[الروم، الآيتان: ٣١ – ٣٢] انتهى.
ولا بأس من إعادة ما نقلته قريباً في ردي هذا عن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالىن قال في كتابه "أعلام الموقعين عن رب العالمين": وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟ فيه مذهبان:
أحدهما: لا يلزمه. وهو الصواب المقطوع به، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يوجب الله ورسوله على أحد أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة فيقلده دينه دون غيره، وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة ويبرأ أهلها من هذه النسبة. بل لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به فالعامي لا مذهب له، لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال، ويكون بصيراً بالمذهب على حسبه، أو لمن قرأ كتاباً في فروع ذلك المذهب وعرف فتوى إمامه وأقواله، وأما من لم يتأهل لذلك البتة بل قال: أنا شافعي، أو حنبلي، أو غير ذلك. لم يصر كذلك بمجرد القول، كما لو قال: أنا فقيه، أو نحوي أو كاتب لم يكن كذلك بمجرد قوله.
يوضحه: أن القائل أنه شافعي، أو مالكي، أو حنفي يزعم أنه متبع لذلك الإمام، سالك طريقه. وهذا إنما يصح إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة والاستدلال. فأما مع جهله وبعده جداً عن سيرة الإمام وعلمه وطريقه: فكيف يصح الانتساب إليه بالدعوى المجردة، والقول الفارغ من كل معنى؟ والعامي لا يتصور أن يصح له مذهب، ولو تصور له ذلك لم يلزمه ولا لغيره ولا يلزم أحداً قط أ، يتمذهب بمذهب رجل من الأمة، بحيث يأخذ أقواله كلها، ويدع أقوال غيره. وهذه بدعة قبيحة حدثت في الأمة لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام وهم