أن المعترض – فيما نقله عن شيخ الإسلام من كتابه "رفع الملام" – وإن كان قليلاً – فقد حرف فيه وبدل، وزاد فيه ونقص في أكثر من ثلاث وعشرين موضعاً، تركت مناقشته عليها لأن هذا المعترض سلسلة أكاذيب وأغلاط لا آخر لها. ولم أكن ملتزماً لمناقشته في جميع أغلاطه، بل فيما لا يجوز السكوت عليه منها كدعائه إلى الشرك في عبادة الله تعالى واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وكالابتداع في الدين بما لم يأذن به الله تعالى ولا رسول الله أو ما يفتريه من الكذب على أئمة المسلمين. فهذه المسائل قد عاهدت الله على جهاد أعدائه فيها، كالحاج مختار وشيخه شيخ الضلال دحلان. والله حسبنا ونعم الوكيل.
وبعد أن انتهى المعترض من نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى صار يفرع على كلامه، ويقتبس ألفاظاً وجملاً من كلام الشيخ يبني عليها ما يمليه عليه عقله الفاسد، وفهمه العاطل من الهذر الذي لا يعقل، بل زاد عليه بأن كتب الحديث – وخص منها الصحاح الستة – فيها من الاختلاف ما ينوف عن الثلث منها، وأنه رأى في شرح الزرقاني على موطأ مالك: مئات المسائل المختلف فيها بين الصحابة، وكثير منها ما كان في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه لما صار الفتح تفرق الصحابة في أقطار الأرض، وصار كل منهم يفتي بما عنده من العلم، وأن الأئمة الأربعة كل واحد منهم قد تلقى علومه على أهل البلد التي حل فيها، مثل الحرمين والعراق وغيرهما. وأنه بسبب الرخص والعزائم والناسخ والمنسوخ وقعت الاختلافات في الدين بين الصحابة فمن بعدهم.
فيخيل لسامع كلام هذا الجاهل الأحمق: أن الدين كان على عهد الصحابة رضي الله عنهم – وكذا على عهد التابعين لهم – في حالة من الغموض وعدم البيان وكثرة الاختلافات، لعدم ضبطه ومعرفة ناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، يتعذر معها معرفة الأحكام من كتاب الله تعالى وسنة ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل يشعر كلامه هذا: أنه لا وجود للكتاب والسنة وأن أحكام الدين هي ما يتلقى من بعض الصحابة الذين تفرقوا في أقطار الأرض بعد الفتح، على ما فيه من اختلاف بينهم، حتى جاء الأئمة الأربعة، فأصلحوا من أمر هذا الدين ما كان مضطرباً،