علوم الشريعة الصحيحة فيتقيدون به ولا يقفون عند حدودها وإنما هو من أهل الأهواء الذين لم يعتمدوا في أخذ دينهم كتاب ربهم، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بل اعتمدوا على غرورهم واستحسان عقولهم الفاسدة، فقد جمعوا بين المتناقضات فزعموا أن الاجتهاد قد انقطع من بعد عصر الأئمة الأربعة، وأن من خرج عن تقليدهم فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. ومع ذلك يقولون بصحة وقوع الإجماع في كل زمان مع إقرارهم بأن تعريف الإجماع المتفق بصحة وقوع الإجماع في كل زمان مع إقرارهم بأن تعريف الإجماع المتفق عليه بين جميع أهل المذاهب أنه اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي. فكيف يتصور وقوع الإجماع مع القول بانقطاع الاجتهاد، وعدم وجود المجتهدين من بعد عصر الأئمة الأربعة؟ هذا هو غاية التناقض.
وأغرب من هذا: أن المعترض قد ذكر في محل آخر من رسالته هذه كلاماً يقول فيه: "إن الشرع عندنا مبني على ثلاثة أركان، وهي: الأصول، والفروع، والقياس – ثم يقول بعد ذلك – وبعد قرن الأئمة الأربعة وظهور البدع والمنحل: أضاف العلماء للأركان الثلاثة ركناً رابعاً وهو الإجماع".
فزعم أن علماءهم هم الذين جعلوا الإجماع ركناً رابعاً للشرع. وذلك بعد عصر الأئمة الأربعة، أما قبل عصر الأئمة الأربعة فلم يكن هناك إجماع على زعمه وليس هو بحجة. وهذا منتهى الجهل والغباوة اللذين لا ينازع الحاج مختار فيهما أحد قبله ولا بعده من البله الذين هم كسائمة الأنعام.
وقد تقدم الكلام على الإجماع وتفصيل القول فيه، بما أغنى عن إعادته. وحاصله: أن كل إجماع لا يستند إلى دليل من الكتاب والسنة فليس بإجماع، بل الإجماع دليل على وجود نص شرعي، وإن خفي على بعض المجتمعين فلا يخفى على الباقين. وهذا ينطبق على عصر الصحابة رضي الله عنهم. أما بعد عصرهم فقد يتعذر العلم بوقوع الإجماع ممن ينعقد بهم لما ذكر في محله من الموانع التي يتعسر معها – بل يستحيل – معرفة صحة وقوع الإجماع من جميع علماء الأمة المجتهدين الذين تفرقوا في الأقطار البعيدة المتنائية الأطراف. وهي