أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة، الآية: ٣١] قال: أما أنهم لو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم، ولكنهم أمروهم: فجعلوا حلال الله حرماً وحرامه حلالاً، فأطاعوهم. فكانت تلك الربوبية. وقال جل وعز:{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ}[الزخرف، الآيتان: ٢٣- ٢٤] فمنعهم الاقتداء بآبائهم من قبول الاهتداء، فـ {قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[الزخرف، الآية: ٢٤] وفي هؤلاء ومثلهم قال الله عز وجل: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}[الأنفال، الآية: ٢٢] ، وقال:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ}[البقرة، الآيتان: ١٦٦- ١٦٧] وقال جل وعز عائباً على أهل الكفر وذاماً لهم: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}[الأنبياء، الآيتان: ٥٢ – ٥٣] ، وقال عنهم:{إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ}[الأحزاب، الآية: ٦٧] . ومثل هذا في القرآن كثير في ذم تقليد الآباء والرؤساء. وقد احتج العلماء بهذه الآيات على إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد، كما لو قلد رجل فكفر، وقلد آخر فأذنب، فقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها: كان كل واحد ملوماً على التقليد بغير حجة لأن كل ذلك يشبه بعضه بعضاً، وإن اختلفت الآثام فيه، وقال الله جل وعلا:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}[التوبة، الآية: ١١٥] وقد ثبت الاحتجاج بما قدمنا في الباب قبل هذا، وفي ثبوته إبطال التقليد أيضاً. فإذا بطل التقليد بكل ما ذكرنا، وجب التسليم للأصول التي يجب التسليم لها وهي الكتاب والسنة، أو ما كان في معناهما بدليل جامع بين ذلك.
ثم ساق أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وآثاراً عن الصحابة رضي الله عنهم فيها