السؤال في التقليد، ولا سبيل لهم إلى النظر والدليل. فلا يبقى إلا إيجاب التقليد بالتحكم. فإن قيل: عرفنا صحته بأنه مذهب الأكثرين فهو أولى بالاتباع. قلنا: وبم أنكرتم على من يقول الحق دقيق غامض، لا يدركه إلا الأقلون، ويعجز عنه الأكثرون لأنه يحتاج إلى شروط كثيرة من الممارسة والتفرغ للنظر وإنقاد القريحة، والخلو عن الشواغل. ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محقاً في ابتداه أمره وهو في شرذمة يسيرة على خلاف الأكثرين. وقد قال تعالى:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[الأنعام، الآية: ١١٦] كيف وعدد الكفار في زماننا أكثر؟ ثم يلزمكم أن تتوقفوا حتى تدوروا في جميع العالم وتعدوا جميع المخالفين، كيف؟ وهو خلاف نص القرآن. قال تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ}[سبأ، الآية: ١٣] ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[الأنعام، الآية: ٣٧] ، {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[المؤمنون، الآية: ٧٠] .
قال: ولهم شبه.
الأولى: أن النظر مفروض في شبهات، وقد كثر ضلال الناظرين فترك الخطر وطلب السلامة أولى. قلنا: وقد كثر ضلال المقلدين من اليهود والنصارى فبم تفرقون بين تقليدكم وتقليد سائر الكفار؟ قالوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة.
ثم يقال: إذا وجبت المعرفة كان التقليد جهلاً وضلالاً، فكأنكم اخترتم الجهل خوفاً من الوقوع في الجهل، كنت يقتل نفسه عطشاً وجوعاً، خوفاً من أن يغض بلقمة، أو يشرق بشربة لو أكل أو شرب، وكمن يترك التجارة والحراثة خوفاً من نزول صاعقة فيختار الفقر.
الشبهة الثانية: تمسكهم بقوله تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}[غافر، الآية: ٤] والنظر فتح باب الجدل، قلنا: نهى عن الجدال بالباطل كما قال تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}[غافر، الآية: ٥] بدليل قوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل، الآية: ١٢٥] ، {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ