والسنة ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة، نضالاً عن مقلده. قال: وقد رأيناهم يجتمعون في المجالس فإذا ذكر لأحدهم خلاف ما وطن نفسه عليه تعجب منه غاية التعجب من غير استرواح إلى دليل، بل لما ألفه من تقليد إمامه، حتى ظن أن الحق منحصر في مذهب إمامه ولو تدبره لكان تعجبه من مذهب إمامه أولى من تعجبه من مذهب غيره. فالبحث مع هؤلاء ضائع مفض إلى التقاطع والتدابر، من غير فائدة يجدها. قال: وما رأيت أحداً رجع عن مذهب إمامه إذا ظهر له الحق في غيره، بل يصر عليه مع علمه بضعفه وبعده. فالأولى ترك البحث مع هؤلاء الذين إذا عجز أحدهم عن تمشية مذهب إمامه قال: لعل إمامي وقف على دليل لم أقف عليه، ولم أهتد له، ولات يعلم المسكين أن هذا مقابل بمثله، ويفضل لخصمه ما ذكره من الدليل الواضح، والبرهان اللائح. فسبحان من أكثر من أعمى التقليد بصره حتى حمله على ما ذكرت. قال: ولم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير تقليد ولا تقيد بمذهب، ولا إنكار على أحد من السائلين إلى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين فإن أحده يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة، مقلداً له فيما قال كأنه نبي أرسل إليه، وهذا نأي عن الحق، وبعد عن الصواب لا يرضى به أحد من أولي الألباب. هذا كلام الشيخ عز الدين.
وقال الإمام أبو شامة في "خطبة كتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول": ينبغي لمن اشتغل بالفقه أن لا يقتصر على مذهب إمام معين، وبأن يرفع نفسه عن هذا المقام وينظر في مذهب كل إمام ويعتقد في كل مسألة صحيحة ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة، وذلك سهل عليه إذا كان قد أتقن معظم العلوم المتقدمة وليتجنب التعصب والنظر في طرائق الخلاف المتأخرة، فإنها مضيعة للزمان، ولصفوه مكدرة. قال: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا" قال: فما أعظم حظ من بذل نفسه وجهدها في تحصيل العلم، حفظاً على