فإن أول اختلاف وقع بين الصحابة رضي الله عنهم حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك في حقيقة موته، وموضع دفنه. فلما حضر أبو بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين قام فيهم خطيباً، وتلا قول الله تعالى:{ومَامُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً}[آل عمران، الآية:١٤٤] وأخبرهم بما حفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع دفنه، فكلهم رضي الله عنهم قابلوه بالتسليم ولم يختلفوا فيه. وكذلك الأمر في قتال مانعي الزكاة لما أراد الصديق رضي الله عنه قتالهم، عارضه من عارضه من الصحابة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "إن الزكاة من حق لا إله إلا الله- أو قال: من حق المال- والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عقالاً- أو عناقاً- كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها" فلما رأوا الحق مع الصديق رجعوا إليه راضين بحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وأما رجوع الفاروق عمر رضي الله عنه عن قول قاله على المنبر، فهو أكبر دليل على بعد الصحابة عن الاختلاف في الدين. فقد أمر رضي الله عنه بأن لا يزاد في مهور النساء على قدر ذكره، فذكرته امرأة بقول الله تعالى:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً}[النساء، الآية:٢٠] فترك قوله، وقال:"كل أحد أفقه منك يا عمر" وقال: "امرأة أصابت وأمير المؤمنين أخطأ" وأمر رضي الله عنه برجم امرأة ولدت لست أشهر فذكره علي رضي الله عنهم بقول الله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً}[الأحقاف، الآية:١٥] مع قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}[البقرة، الآية:٢٣٣] فرجع عن الأمر برجمها. وكذلك علي رضي الله عنه سأله رجل عن مسألة فقال فيها علي، فقال الرجل: ليس كذلك يا أمير المؤمنين، ولكن كذا وكذا. فقال علي:"أصبت وأخطأت، وفوق كل ذي علم عليم" وأيضاً ابن عباس وزيد رضي الله عنهما لما اختلفا في الحائض قال له زيد: "القول ما قلت" وهذا كثير يفوق الحصر مما يجري بين الصحابة رضي الله عنهم. فإنه لا خلاف بينهم أمام حكم