للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟ فيه مذهبان: أحدهما: لا يلزمه وهو الصواب على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دينه دون غيره. وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة مبرأ أهلها من هذه النسبة، بل لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به، فالعامي لا مذهب له، لأن المذاهب إنما تكون لمن له نوع ونظر واستلال، ويكون بصيراً بالمذاهب على حسبه، أو لمن قرأ كتاباً في فروع ذلك المذهب، وعرف فتاوى إمامه وأقواله، وأما من لم يتأهل لذلك البتة، بل قال: أنا شافعي، أو حنبلي، أو غير ذلك لم يصر كذلك بمجرد القول كما لو قال: أنا فقيه أو نحوي أو كاتب لم يصر كذلك بمجرد قوله. يوضحه: أن القائل هو شافعي أو مالكي أو حنفي يزعم أنه متبع لذلك الأمام، سالك طريقه، وهذا إنما يصح له إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة والاستدلال، فأما مع جهله وبعده جداً عن سيرة الإمام وعلمه وطريقه: فكيف يصح الانتساب إليه إلا بالدعوى المجردة، والقول الفارغ من كل معنى؟ والعامي لا يتصور أن يصح له مذهب، ولو تصور ذلك لم يلزمه ولا لغيره، ولا يلزم أحداً قط أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة بحيث يأخذ أقوالها كلها ويدع أقوال غيره، وهذه بدعة قبيحة حدثت في الأمة، لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام، وهم أعلى رتبة وأجل قدراً، وأعلم بالله ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك، إلى كلامه رحمه الله.

ومن كلام الشيخ عز الدين عبد السلام – وقد تقدم بطوله – قال: ولم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير تقليد لمذهب، ولا إنكار على أحد من السائلين، إلى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين. فإن أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة مقلداً له فيما قاله، كأنه نبي أرسل إليه. وهذا نأي عن الحق وبعد عن الصواب لم يرض به أحد من أولي الألباب، انتهى.

وقال الإمام أبو شامة في كتابه "المؤمل في الرد إلى الأمر الأول" وسئل

<<  <   >  >>