وعلمهم، وبخس لثمرة جدهم واجتهادهم، وفضلهم في حفظ شريعة نبيهم صلى الله عليه وسلم وتنقيحها وتنظيمها، وقد أتعبوا في ذلك أجسامهم وأفكارهم، وهجروا في جمعها أوطانهم، واستغرقوا في تقييدها وتصحيحها ليلهم ونهارهم، فأبرزوها في كتب نهجوا فيها منهاج التحقيق والتدقيق، وبينوا فيها صحيحها من سقيمها، وقويها من ضعيفها، وبينوا حال رجالها وعللها وجميع طرقها. وبينوا ناسخها ومنسوخها، وعامها وخاصها ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفصلها، وظاهرها ومضمرها. وبينوا غريبها ومشكلها، ومعانيها وفقهها، واستنبطوا غوامضها وما دلت عليه من فنون الشريعة في جميع العبادات والمعاملات التي كلف الله بها عباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. ولولا أئمة أهل الحديث واعتناؤهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعه وتدوينه ما عرفنا منه شيئاً ولا وصل إلينا منه إلا القليل ممزوجاً بآراء الرجال. فجزى الله أهل الحديث عن حفظهم لشريعة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم أفضل ما جزى به المجاهدين المحسنين وإن رغم أنف الملحد الحاج مختار. فليس يضير أهل الحديث شيء من أقوال هؤلاء الحمقى الضالين" {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}[الرعد، الآية:١٧] فهذه علوم أهل الحديث، وأعلامهم ساطعة أنوارها للسالكين، هادية إلى المحجة لسنة سيد المرسلين.
وسامح نفوساً أطفأ الله نورها ... بأهوائها لا تستفيق ولا تعي
وبعد هذا، فيحسن بنا في هذا المقام أن نورد نبذة يسيرة من كلام أهل العلم تدل على شرف علم الحديث وأهله، وبيان فضلهم وحسن قصدهم في حفظ أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وإبرازها لهذه الأمة نقية كما خرجت عن مشكاة النبوة لتقوم بها الحجة على المكلفين بما فيها من أمر ونهي، لا كما يزعمه الهلباجة الحاج مختار، من أنها إنما جمعت لحفظها، لا للعمل بها.
قال الإمام العالم العلامة صديق حسن القنوجي رحمه الله تعالى في كتابه