وقد رواه عن مالك بغير واسطة أكثر من ألف رجل، وقد ضرب الناس فيه أكباد الإبل إلى مالك من أقاصي البلاد. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في حديثه، فمنهم المبرزون من الفقهاء كالشافعي ومحمد بن الحسن، وابن وهب، وابن القاسم، ومنهم نحارير المحدثين، كيحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرزاق، ومنهم الملوك والأمراء كالرشيد وابنيه، وقد اشتهر فيه عصره، حتى بلغ إلى جميع ديار الإسلام، ثم لم يأت زمان إلا وهو أكثر له شهرة وأقوى به عناية وعليه بنى فقهاء الأمصار مذاهبهم حتى أهل العراق في بعض أمرهم، ولم يزل العلماء يخرجون أحاديثهم ويذكرون متابعاته وشواهده، ويشرحون غريبه، ويضبطون مشكله، ويبحثون عن فقهه، ويفتشون عن رجاله إلى غاية ليس بعدها غاية. وإن شئت الحق الصراح: فقس كتاب الموطأ بكتاب الآثار لمحمد، والأمالي لأبي يوسف تجد بينه وبينهما بعد المشرقين، فهل سمعت أحداً من المحديثين والفقهاء، تعرض لهما واعتنى بهما؟
أما الصحيحان: فقد اتفق المحدثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع. وأنهما متواتران إلى مصنفيهما، وأن كل من يهون أمرهما فهو مبتدع غير سبيل المؤمنين، وإن شئت الحق الصراح فقسهما بكتاب بن أبي شيبة، وكتاب الطحاوي، ومسند الخوارزمي وغيرها تجد بينها وبينهما بعد المشرقين.
وقال في موضع آخر: وأما فضل صحيح البخاري فهو أصح الكتب المؤلفة في هذا الشأن والمتلقى بالقبول من العلماء في كل زمان. يقول أبو زيد المروزي كنت نائماً بين الركن والمقام، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: يا أبا زيد إلى متى تدرس كتاب الشافعي، وما تدرس كتابي؟ فقلت: يا رسول الله، وما كتابك؟ قال: جامع محمد بن إسماعيل البخاري، وقال الذهبي: في تاريخ الإسلام، وأما جامع البخاري الصحيح: فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى وهو أعلى في وقتنا هذا إسناداً للناس، ومن ثلاثين سنة يفرحون بعلو سماعه، فكيف اليوم؟ فلو رحل الشخص ألف فرسخ لسماعه لما ضاعت رحلته. انتهى.