شرط أن لا يكتب في صحيحه إلا ما رواه تابعيان ثقتان عن صحابيين. قال مسلم: ألفت كتابي من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. وقال: لو أن أهل الأرض يكتبون الحديث مائتي سنة: ما كان مدارهم إلا على هذا المسند. قال: وما وضعت شيئاً في كتابي هذا إلا حجة. وما أسقطت شيئاً منه إلا بحجة. وقال مكي بن عبدان أحد حفاظ نيسابور: سمعت مسلماً يقول: عرضت كتابي هذا على أبي رزعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته. وكل ما قال: إنه صحيح وليس له علة خرجته. رواه الخطيب البغدادي بإسناده. وقال ابن الصلاح: جميع ما حكم مسلم بصحته في هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر وهكذا ما حكم البخاري بصحته. وذلك: لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع.
قال إمام الحرمين: لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتاب البخاري ومسلم – مما حكما بصحته– من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق، ولا حنثته. لإجماع المسلمين على صحتهما. وقد اتفقت الأمة على أن ما اتفق البخاري ومسلم على صحته فهو حق وصدق.
ثم قال: الفصل الرابع في ذكر الجامع الصحيح للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي رحمه الله تعالى – إلى أن قال – وبالجملة: فهو ثالث الكتب الستة. قال الترمذي: صنفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان. فرضوا به ومن كان في بيته: فكأنما النبي صلى الله عليه وسلم وفي بيته يتكلم. قال ابن الأثير: وكتابه هذا أحسن الكتب، وأكثرها فائدة، وأحسنها ترتيباً، وأقلها تكراراً. وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال وتبيين أنواع الحديث الصحيح والحسن الغريب. وقال في بستان المحديثين: تصانيف الترمذي كثيرة وأحسنها هذا الجامع الصحيح، بل هو – من بعض الوجوه والحيثيات – أحسن من جميع كتب الحديث.