يكفيه ذلك في مقدمات الدين. ولهذا مثلوا في كتب الأصول لبضاعة الاجتهاد في علم الحديث بسنن أبي داود. ولما جمع أبو داود كتاب السنن قديماً عرضه على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى فاستجاده واستحسنه. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: كتاب السنن لأبي داود شريف. لم يصنف في علم الدين كتبا مثله. وقد رزق القبول من كافة الناس، وطبقات الفقهاء، على اختلاف مذاهبهم، وعليه معول أهل العراق ومصر وبلاد المغرب، وكثير من أقطار الأرض. فكان تصنيف علماء الحديث قبل أبي داود الجوامع والمسانيد ونحوها. فتجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخباراً وقصصاً ومواعظ وأدباً. فأما السنن المحضة: فلم يقصد أحد جمعها واستيفاءها على حسب ما اتفق لأبي داود، لذلك حل هذا الكتاب عند أئمة أهل الحديث وعلماء الأثر محل العجب فضربت إليه أكباد الإبل ودامت إليه الرحل. قال ابن الأعرابي: لو أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا المصحف ثم كتاب أبي داود، لم يحتج معهما إلى شيء من العلم. قال الخطابي: وهو كما قال، لا شك فيه. فقد جمع في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لم نعلم متقدماً سبقه إليه، ولا متأخراً لحقه فيه. وقال النووي رحمه الله تعالى في القطعة التي كتبها من شرح سنن أبي داود: ينبغي للمشتغل بالفقه وغيره الاعتبار بسنن أبي داود بمعرفته التامة. فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه، مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفة، واعتنائه بتهذيبه. وقال إبراهيم الحربي: لما صنف أبو داود كتاب السنن ألين لأبي داود الحديث، كما ألين لداود الحديد. انتهى ما نقلته من كتاب الحطة لإمام زمانه رحمه الله تعالى.
وقال الإمام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي في كتابه "ذم الكلام" أنبأنا عبد الواحد بن أحمد أنبأنا محمد بن عبد الله سمعت أبا علي الحافظ قال حدثنا جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي سمعت أحمد بن سنان يقول: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث. وإذا ابتدع الرجل