وأنهم إلى اليوم تشخب جروحهم دماً إذا رفعت العصابة عنها، فذلك مما رواه هَيَّان بن بَيَّان وما هو إلا حديث خرافة. وكلام يشهد على مصدقيه بتقديم السخافة. هذا ثم إن نهي المؤمنين عن أن يقولوا في شأن الشهداء "أموات" إما أن يكون دفعاً لإبهام مساواتهم لغيرهم في ذلك البزرخ، وتلك خصوصية لهم، وإن شاركهم في النعيم- بل وزاد عليهم- بعض عباد الله تعالى المقربين، ممن يقال في حقهم ذلك، وإما أن يكون صيانة لهم عن النطق بكلمة قالها أعداء الدين والمنافقون في شأن أولئك الكرام، قاصدين بها أنهم حرموا من النعيم ولم يروه أبداً. وليس في الآية نهي عن نسبة "الموت" إليهم بالكلية، بحيث إنهم ما ذاقوه أصلاً ولا طرفة عين، وإلا لقال تعالى: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله ماتوا. فحيث عدل عنه إلى ما ترى: علم أنهم امتازوا- بعد أن قتلوا- بحياة لائقة بهم، مانعة عن أن يقال في شأنهم "أموات" وعدل سبحانه عن "قتلوا" المعبر عنه في آل عمران إلى "يتقل" رَوْماً للمبالغة في النهي، وتأكيداً للفعل في تلك السورة، يقول مقام هذا العدول هنا كما قرره بعض أحبابنا من الفضلاء المعاصرين. انتهى.
ونحن نكتفي بهذا القدر من الرد على خرافات هذا الأحمق فيما ذكره في هذا البحث من التخليط، من دون أن نتتبع هفواته ومتناقضاته لأنها كلها جهل ومعارضة لنصوص الكتاب والسنّة كما بيّنا ذلك فيما أوردناه من الآيات والأحاديث وأقوال السلف الصالح وأئمة المفسرين. وكما أقر هو بذلك على نفسه في موضعين من بحثه هذا، وهو الذي يريد به إثبات الحياة الجسدية للشهداء والأنبياء، وهي الحياة التي يزعم أنها لا تختلف عن حياتهم في الدنيا يتصرفون فيها كيف شاءوا، ويسمعون ويجيبون، وينفعون ويضرون من دون الله. هذا هو غاية بحثه، ومنتهى قصده. أما الحياة التي شرف الله تعالى بها الشهداء ومن شاء من صالحي عباده، وزادهم فيها شرفاً بالعندية عنده تعالى: فليست في نظر هذا الأحمق شيئاً في جانب الحياة الدنيا، بل الحياة الدنيا عنده أفضل منها. لذلك تراه يحاول، ويعمن في تحريف الكلم عن مواضعه، لإثبات