السؤال بالذات، لا مطلقاً. بل على معنى: أنهم وسائل الله تعالى بذواتهم وأما كونهم وسائل بدعائهم فغير محظور. وإذا اعتقد أنهم وسائل لله بذواتهم يُسأل منهم الشفاعة للتقريب إليه، فذلك عين ما كان عليه المشركون الأولون.
فتبين: أنه لا دلالة في الحديث على جواز الاستعانة بالنبي أصلاً. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" والميت لا يُطلب منه شيء، لا دعاء ولا غيره. وكذلك حديث الأعمى فإنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له، ليرد الله عليه بصره. فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء، أمره فيه: أن يسأل الله قبول شفاعه نبيِّه فيه. فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع فيه، وأمره أن يسأل الله قبول شفاعته. وأن قوله:"أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة" أي بدعائه وشفاعته. كما قال عمر رضي الله عنه:"كنا نتوسل إليك بنبينا" فلفظ "التوسل" و"التوجه" في الحديثين بمعنى واحد. ثم قال:"يا محمد يا رسول الله، إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها. اللهم فشفعه فيّ" فطلب من الله أن يشفع فيه نبيه صلى الله عليه وسلم. وقوله:"يا محمد يا نبي الله" هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب فيما يخاطب المشهود في القلب، كما يقول المصلي:"السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته" والإنسان يفعل مثل هذا كثيراً، يخاطب من يتصوره في نفسه، وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب. فلفظ "التوسط" بالشخص، و"التوجه" به، و"السؤال به" فيه إجمال واشتراك، غلط بسببه من لم يفهم مقصود الصحابة رضي الله عنهم. يراد به التسبب به، لكونه داعياً وشافعاً مثلاً. ولكون الداعي محباً له، مطيعاً لأمره مقتدياً به، فيكون التسبب إما لمحبة السائل له وإتباعه له، وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته، ويراد به الإقسام به، والتوسل بذاته. فلا يكون التوسل منه ولا من السائل، بل بذاته أو بمجرد الإقسام به على الله. فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه. وكذلك السؤال بشيء، قد يراد به: المعنى الأول. وهو التسبب لكونه سبباً في حصول المطلوب، وقد يراد به الإقسام. إلى آخر ما قاله. انتهى.