في توحيد عبادة الله تعالى، وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك في عبادته تعالى والإقرار بعلو الله تعالى على خلقه وإثبات صفاته التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وتلقاها عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان من علماء الأمة وأئمتها بالقبول والتسليم إثباتاً من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل، فقد أعرض هؤلاء المبتدعة عن اتباع الكتاب والسنة والسلف الصالح من هذه الأمة، ولم يقلدوا أحد الأئمة الأربعة، بل فتحوا باب الشرك في عبادة الله تعالى ومثلوا صفاته تعالى بصفات خلقه، فقادهم ذلك إلى الجحود والتأويل الباطل، وسيأتي بيان ذلك والكلام عليه في محله من ردنا هذا إن شاء الله تعالى.
وقد جرت بيني وبين من ذكرتهم مباحث عديدة في المسائل التي هي أصل أصول الدين، وهي التي أرسل الله بها رسله، وأنزل بها كتبه، ليكون الدين كله لله وحده لا شريك له، إذ حصل في هذه المسائل تلبيس على الجهال من أناس يدعون العلم، مع أن لهم حظ من العلم ولا نصيب من الفهم. قد اجتالتهم الشياطين عن فطرة الله التي فطر عباده المؤمنين عليها فقلبوا لهم الحقائق وسموها بغير أسمائها، كدعاء غير الله تعالى من الأموات، والاستغاثة بهم، وجعلهم وسائط بين الله تعالى وبين عباده، ويدعونهم استقلالاً من دون الله تعالى، ويصرفون لهم من أنواع العبادات ما لا يجوز صرفه إلا لله تبارك وتعالى. ويسمون أعمالهم هذه: بزيارة القبور وحب المقبورين، والتوسل بهم وطلب شفاعتهم لهم إلى الله تعالى، ومع ذلك يزعمون أنهم على الهدى وأن من خالفهم في ضلال مبين، فلم تفلح هذه المباحثات مع هؤلاء لعدم الرضوخ منهم لما أمر الله تعالى به المتنازعين من الرد إلى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقد فارقتهم سائلاً المولى تعالى لي ولهم الثبات على الإيمان الصادق والهداية إلى طريق الحق وسلوك صراطه المستقيم.
ثم إني توجهت إلى مصر وأقمت فيها، وفي سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة