فقد شمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عن ساعد جده واجتهاده، وأعلن بالنصح لله ولكتابه ورسوله وسائر عباده، وصبر على ما ناله من أعباء تلك الرتبة والدعوة، وما قصد به من أنواع المحنة والجفوة. وقرر رحمه الله تعالى أن حقيقة دين الإسلام وزبدة ما جاءت به الرسل الكرام هو إفراد الله تعالى بالعبادة وإسلام الوجه له بالعمل والإرادة، وترك التعلق على الأولياء من دونه والأنداد والبراءة من عبادة من سواه من سائر المخلوقات والعباد. وهذا معنى كلمة الإخلاص والتوحيد وهو الحكمة المقصود بخلق الكائنات والعبيد. وقرر رحمه الله تعالى أن مجرد الإتيان بلفظ الشهادتين مع مخالفة ما دلتا عليه من الأصول المقررة ومع الشرك الأكبر في العبادة لا يدخل المكلف في الإسلام. إذ المقصود من الشهادتين حقيقة الأعمال التي لا يقوم الإيمان من دونها، كمحبة الله وحده والخضوع له والإنابة إليه والتوكل عليه وإفراده بالاستعانة والاستغاثة فيما لا يقدر عليه سواه، وعدم الإشراك به فيما يستحقه من العبادات كالدعاء والذبح والنذر والتقوى والخشية ونحو ذلك من الطاعات.
واستدل لذلك بنصوص قاطعة وبراهين ساطعة، وحكى الإجماع على ذلك عن الأئمة الفضلاء والسادة النبلاء من سائر أهل الفقة والفتوى. وذكر عبارة من حكى الإجماع من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم. وألف في ذلك التآليف وقرر الحجة وصنف التصانيف وقد عارضه من الغلاة المارقين ومن الدعاة إلى عبادة الصالحين أناس من أهل وقته فباءوا بغضب الله ومقته وأظهره الله بعد الامتحان وحقت كلمة ربك على أهل العناد والطغيان. وهذه سنة الله التي قد خلت من قبل. وحكمته التي يظهر بها ميزان الفضل والعدل، وقد جمع أعداؤه شبهات في رد ما أبداه وجحد ما قرره وأملاه واستعانوا بملئهم من العجم والعرب، ونسبوه إلى ما يستحي من ذكره أهل العقل والأدب فضلاً عن ذوي العلوم والرتب. وزعموا أنه خارجي مخالف للسنة والجماعة كمقالة أسلافهم لرسول الله: إنه صابئ صاحب إفك وصناعة. فجاء هذا الملحد يجدد ما قالوه ويبث من الشبه ما لفقوه وانتحلوه. ويزعم أنا لو عرفنا ما عرفوه لاتبعناهم على