يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء، الآية: ١٧٢] ونحو ذلك في القرآن كثير. وبه يعلم المؤمنون أن عبادة الأنبياء والصالحين كعبادة الكواكب والأصنام من حيث الشرك والكفر بعبادة غير الله.
قال رحمه الله: وهذه العبادات التي صرفها المشركون لآلهتهم هي أفعال العبد الصادرة منه، كالحب والخضوع والإنابة والتوكل والدعاء والاستعانة والاستغاثة والخوف والرجاء والنسك والتقوى والطواف ببيته رغبة ورجاء وتعلقاً للقلوب والآمال بفيضه وممده وإحسانه وكرمه. فهذه الأنواع أشرف أنواع العبادة وأجلها، بل هي لب سائر الأعمال الإسلامية وخلاصتها. وكل عمل يخلو منها فهو خداج مردود على صاحبه، وإنما أشرك وكفر من كفر من المشركين بقصد غير الله بهذا وتأليهه بذلك. قال تعالى:{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}[النحل، الآية: ١٧] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}[الأنبياء، الآية: ٤٣] وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ}[الفرقان، الآية: ٣] الآية. وحكى عن أهل النار أنهم يقولون لآلهتهم التي عبدوها مع الله:{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء، الآيتان: ٩٧-٩٨] ومعلوم أنهم ماسووهم به في الخلق والتدبير والتأثير وإنما كانت التسوية في الحب والخضوع والتعظيم والدعاء ونحو ذلك من العبادات.
قال رحمه الله: فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصالحين نحكم بأنهم مشركون، ونرى كفرهم إذا قامت عليهم الحجة الرسالية. وما عدا هذا من الذنوب التي هي دونه في الرتبة والمفسدة لا نكفر بها ولا نحكم على أحد من أهل القبلة الذين باينوا عباد الأوثان والأصنام والقبور بالكفر بمجرد ذنب ارتكبوه، وعظيم جرم اجترحوه وغلاء الجهمية والقدرية والرافضة ونحوهم ممن كفرم السلف لا نخرج فيهم عن أقوال أئمة الهدى والفتوى من سلف هذه الأمة، ونبرأ إلى الله مما أتت به الخوارج وقالته في أهل الذنوب من المسلمين.