من ينظر إلى حديث أبي أيوب الأنصاري يجد أن هذا الحديث يدل على النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها بالبول والغائط، ويعارض هذا الحديثُ حديثَ ابن عمر-رضي الله عنهما- لأنه يدل على إباحة ذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله، وقد وجه العلماء هذا التعارض فدرؤوه، فمنهم من قال بالنسخ ومنهم من قال بالترجيح، ومنهم من جمع بين الحديثين.
آراء العلماء في درء التعارض:
١- ذهب جماعة إلى النسخ فقالوا: إن الإباحة منسوخة بالنهي، وممن ذهب إلى هذا المذهب ابن حزم فقال:" ولا يجوز استقبال القبلة واستدبارها للغائط والبول، لا في بنيان ولا في صحراء"، وقد أجاب عن حديث الإباحة بقوله:
"وأما حديث ابن عمر: فليس فيه أن ذلك كان بعد النهي، وإذا لم يكن ذلك فيه، فنحن على يقين من أن ما في حديث ابن عمر موافق لما كان الناس عليه قبل أن ينهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، هذا ممالا شك فيه، فإذ لا شك في ذلك فحكم حديث ابن عمر منسوخ قطعا بنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، هذا يعلم ضرورة، ومن الباطل المحرم ترك اليقين للظنون، وأخذ المتيقن نسخه وترك المتيقن أنه ناسخ.
وأيضا فإن ما في حديث ابن عمر ذكر استقبال القبلة فقط، فلو صح أنه ناسخ لما كان فيه نسخ تحريم استدبارها، ولكان من أقحم في ذلك إباحة استدبارها كاذبا مبطلا لشريعة ثابتة، وهذا حرام، فبطل تعلقهم بحديث ابن عمر" (١) .
٢-وقد ذهب بعض العلماء إلى ترجيح أحاديث النهي وإعمال حكمها، وممن ذهب إلى ذلك ابن القيم فقال بعد أن ذكر حديث ابن عمر لما رأى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته مستدبر الكعبة قال: هذا يحتمل وجوها ستة: