بالوسوسة يتحسسون غفلة تامة من الحُرَّاس، فإذا علموا ذلك منهم وَلَجُوا الحصن وبَنَوْا فيه مساكن واهية سرعان ما تتهاوى بمعاول أولئك الحراس الذين يهدمونها بشدة وبأس، فيسارع ساكنوها إلى مغادرتها والإدبار نفوراً خارج الحصن الذي عادت إليه مَنَعتُه، فإذا فتر الحراس مرة أخرى، أقبل جند العدو المتربصين وهم لا يفترون، هذا مَثَل إلقاء الوسوسة من شياطين الإنس والجن في قلب ابن آدم، إلا أن العدو قد ينوّع في وسائل غزوه، وربما أغوى الحارسَ عند باب حصن القلب، فصار لحينٍ من جنده، فزيّن الحارس لصاحبه الشر بغلبة الهوى، أو في تحسين معصية، أو بإياس من رحمة، أو بإيقان هلاك، فلا يعبأ بعدها بمقارفة ذنب، أو بمعاندة حق، أو بميل إلى باطل، بل ربما أحب شراً أو دعا إليه!!
هذا حال الإنسان مع كيد الشيطان وجنده، صراع مستمر، لا راحة لمؤمن من ذلك إلا بلقاء ربه سبحانه، وهو راضٍ عنه.
لذا، كان على المؤمن الحصيف إدراك شدة عداوة الشيطان ووضوحها، والتبصّر الدقيق بمعرفة مداخل قلبه، والاشتغال الحثيث الجادّ بما يحصِّنها، فإن معرفة القلب وحقيقة أوصافه هو أصل الدين، وأساس معرفة طريق الوصول إلى رضى الله رب العالمين، وإن من سنن الله سبحانه في خلقه أن جعل ترتيب الأسباب على المسبِّبات، ومن بديع صنعه تعالى أن جعل القلب مستعداً بأصل فطرته لقبول الخواطر واللَّمّاتِ، ولو تواردت عليه من كل حدب وصوب، ثم يمحص القلبُ ويقلّب تلك الخواطر، ثم يتقلب هو معها؛ فإما أن يُرَغِّبَ بها، أو يصدّ عنها، تبعاً لتأثره بهوى النفس أو لاطمئنانه بذِكْرِ رَبِّه سبحانه، ففي