للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القلب تكمن مجامع الطبائع من محبة أو بغض، ومن شهوة غضبٍ أو خِصْلةِ حِلمٍ، ومن كِبْرٍ أو تواضع، ومن زهد أو حرص،....، فإن رجّح القلب طبع الهوى عند عَرَضِ وسواس الهوى من الشيطان تسلط الهوى على القلب فتقلَّب إليه، ولو اتبع مقتضى شهوة الغضب تسلط على القلب حتى غلب عليه، وذلك حاصل في الطبائع وأضدادها جميعاً، فالقلب بهذا الاعتبار أشرف الأعضاء، وأكثرها خطراً، وذلك لتوارد الخواطر إليه، وتمحيصها فيه، ولله در القائل:

ما سُمِّي القلبُ إلا من تَقَلُّبِه ... فاحذرْ على القلب من قَلْبٍ وتحويلِ (١)

هذا، وقد خصّ الله تعالى القلب، وجعله محلاً للتعقل، ثم جعل الجوارح مسخَّرة له عاملة بأمره، قال تعالى: [الحَجّ: ٤٦] {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ *} . فمن تسارعت على قلبه الوساوس فلم يرجح عليها طبائع الخير الكامنة في نفسه، تسلطت عليه الشياطين من إنس وجن، وتلاعبت به كما يتلاعب الصبية بالكُرَةِ، وقلَّبته كيف شاءت، أما لو جاهد المرء نفسه فصرف قلبه عن شهواتها، ثم صرفه إلى الاستعاذة بالله من شر من يوسوس من الجن والإنس، ثم ذكر ربه، لصار قلبه إذ ذاك حصناً حصيناً بالمجاهدة، وسراجاً مستنيراً


(١) ذكر البيتَ ابنُ دقيق العيد في شرحه لحديث: «إِنَّ الْحَلاَل بَيِّنٌ ... » من الأربعين النووية، وقال: سمي القلب كذلك لكثرة ورود الخواطر إليه، وترددها عليه حتى أنشد بعضهم: ما سمي القلب ... إلى آخر البيت المذكور. اهـ.

<<  <   >  >>