بالذكر، فيَغْلِبُ نورُ القلب عندئذٍ وساوسَ الشياطين، ولا يلتفت إلى طبائع السوء التي تؤزُّه إليها نفسه، ولِتحقق ذلك كان لا بد من معرفة أمور ثلاثة غاية المعرفة:
الأول: اليقين التام بوضوح عداوة شياطين الإنس والجن، وتضافرهم مع الأخلاق السيئة المركبة في النفس.
الثاني: معرفة حقيقة الوسوسة، وأنها خواطر تُعْرَض على القلب، فإن قبلها، تحركت الإرادة بالرغبة في الفعل، ثم صارت الرغبة عزماً، والعزم نية، ومن ثَمَّ تحركت الأعضاء - وهي جنود مجندة تخدم القلب - لعمل ما يريده، وما تقلّب إليه من خير أو سوء.
الثالث: أن مبدأ التحصين للقلب يكون ابتداءً وانتهاءً بالالتجاء إلى الله تعالى، والاستجارة بعظمته من ذلك، إذ لا طاقة للإنسان - مهما بلغ من مجاهدة - على صرف وساوس الشهوات عن نفسه، ولا وساوس الشبهات عن عقله، ولا وساوس الخواطر عن قلبه، ولا في إزالة حُجُب الظلمات التي عَلَت روحه بما كسبت يداه، وفي رد سهام الشر من سحر أو حسد أو تعمُّدِ ضرٍّ، - وقد صار هدفاً لذلك كله من شرار الخلق - إلا بالعياذ بكَنَف الله تعالى وحِصْنه الحصين.