أخي القارئ المكرم، لذلك كله فإن المؤمن يعمل على إبعاد كيد الشيطان عن نفسه، حيث إنها مبتلاة بما حوت من أهواء وحب للشهوات، فلو لم يعمل العبد على تخليص نفسه بحفظ جوارحه عن المحارم، كان ذلك سبباً محتماً لورود كيد شياطين الإنس والجن عليها، تداعى عليه كما تداعى الأَكَلَة إلى قصعتها.
وهاك ما يكون سبباً بعون الله تعالى لحفظك من ضعف نفسك التي بين جنبيك، فلا يعود لعدوك سلطان عليك، فيكون كيده لك كأضعف ما يكون:
أولاً: احفظ الله في قلبك؛ فإن إصلاح القلب - كما عرفتَ هو - ملاكُ الأمر كله، والأعضاء تبع له، وإصلاحه لا يكون إلا بتطهيره من حب الشهوات، والميل إلى الشبهات، هذه المضغة التي لو سَلِمت سلم الجسد كله، وإنْ تملَّكها الهوى، ألقت بها الشياطين وساوسها فانقلبت عن حالها، وتردت إلى أسوأ حال، وسرعان ما يعمل الفساد في خُدّامها من الأعضاء، فتعمل فيما عقد عليه القلبُ العزمَ وتترك ما حلّ القلبُ عنه العزم، فهو كالراعي لها، مسؤول عنها، لذا كان على المؤمن الحصيف إعمال عقله فيما يُصلِح قلبَه ويسلّمه من الشك والشرك، من العُجْب والرياء، من الغِلِّ والحسد، ومن شَرْك الفتن والشبهات، بل من كل ما يكون سبباً في فساده، وأن يُعمل عقله - في الوقت نفسه - فيما يُصلِح قلبَه أيضاً، بملئه بمحبة بارئه، وخشيته، ورجاء رحمته، وحق التوكل عليه، ومزيد الإنابة إليه، حتى يصير القلب عاقلاً، فيكون سبباً عندها لسماع التعقل وتبصُّر الحق، سليماً أبيضَ، لا تضره وسوسة، ولا تراوده شبهة، ولا تستحوذ عليه شهوة.