للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الله تعالى: [الشُّعَرَاء: ٨٨-٨٩] {يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ *إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ *} . وقال سبحانه: [الحَجّ: ٤٦] {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ *} . ويقول عليه الصلاة والسلام: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُوداً عُوداً، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَة سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَة بَيْضَاءُ، حَتّى تَصَيرَ الْقُلُوبُ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا؛ فَلاَ تَضُرّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَْرْضُ، وَالآْخَرُ أَسْوَدُ مُرْبادّاً، كَالْكُوْزِ مُجَخِّياً، لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفاً وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَراً، إِلاَ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ (١) . ويقول صلى الله عليه وسلم: أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ


(١) أخرجه البخاري - مختصراً - في مواضع عدة، منها: كتاب مواقيت الصلاة، باب: الصلاة كفارة، برقم (٥٢٥) ، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. ولم يذكر فيها عرض الفتن على القلوب. ومسلم - بلفظه -؛ كتاب: الإيمان، باب: بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريبًا ... ، برقم (١٤٤) ، عنه أيضاً رضي الله عنه. ... ومعنى: «أُشربها» : حلّ فيه محلّ الشراب. ... و «مُربادّاً» ، أي: شدة البياض في سوادٍ. كما بينه أبو مالك (سعد بن طارق) أحد رواة الحديث. وهو - كما بيّنه الإمام القرطبي -: شَبَهٌ بالبياض في سواد، لأن الرِّبدة إنما هي شيء من بياض يسير يخالطه السواد، كلون أكثر النَّعام. اهـ. والمقصود: تغير بياض القلب وفطرته ودخول سواد فيه. فهو كلون الرماد. ... ومعنى: «مجخِّياً» ، منكوساً، كما بينه سعدٌ أيضاً. والمقصود: أنه خاوٍ من الإيمان، مقلوب رأساً على عقب، لا يثبت فيه شيء، كما في الحديث عينه: «لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه» .

وتشبيه القلب بالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يعلَق به شيء، وهو حجر صلب، هذا دال على أن قلب المؤمن لا تعلق به فتنة، ولا ينخرم عقد الإيمان به، كما لا ينخرم الصفا لصلابته. وأما البياض فيه فهو من أثر مجموع النكت البيض بإنكاره الفتن مرة بعد مرة. انظر في بيان ذلك كله: المُفهِم شرحُ صحيح مسلم للإمام القرطبي (١/٣٥٧) .

<<  <   >  >>