الخلوة مقدار ما يأكله مع الجماعة، وهو يعلم أن إخفاء النقص عن الغير، وإظهاره للنفس هو نقص مضاعف. هذا، وإنّ مما يُذَمُّ كذلك مخالفة شهوة الطعام، لأجل الاشتهار بهذا التعفف، فإذا اشتُهِر بذلك رضي، ليكون عندها قد وقع بِشرِّ مما فرّ منه: حيث خالف شهوة الطعام ثم تلبس بشهوة الجاه.
سادساً: احفظ الله بحفظ الفَرْج عن الحرام، وطريق ذلك أن تُصرَف هذه الشهوة إلى ما خُلِقت له؛ لبقاء النسل وإحصان النفس، وإدراك لذة الوقاع والتنعّم بها، لقياسها على لذات الآخرة، فإن من لا يُدرَك بالذوق لا يَعظُم إليه الشوق. لكن المؤمنَ لا يسعى لإدراك هذه اللذة إلا بطريق ما يحل له، فيفرح بما أعدّ الله لأهل الإيمان والاستقامة من نعيم مقيم ولذات لا يدرك كنهها خيالٌ، ولا تخطر على بال.
قال تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ *}[المؤمنون: ٥-٧] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ (١) . ولا يخفى أن غرض الزواج هو التعفف عن الزنا، لذا فقد أرشد عليه الصلاة والسلام الشابَّ الذي لا يملك مؤنة الزواج أن يتعفف بالإكثار من الصوم، فتخمد شهوته بذلك وتُدَّخَر إلى حين قدرته على النفقات المترتبة على الزواج. ومن أعظم مداخل الشيطان وأهله
(١) متفق عليه، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. أخرجه البخاري؛ كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ... » ، برقم (٥٠٦٥) . ومسلم؛ كتاب: النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه ... ، برقم (١٤٠٠) . ومعنى الباءة: القدرة على مؤن النكاح. ومعنى «لَهُ وِجَاءٌ» : قاطع لشهوته.