للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال عليه الصلاة والسلام: إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، ثم أرشد صلى الله عليه وسلم إلى كراهية الكيّ ابتداءً، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ (١) ، وبقوله صلى الله عليه وسلم: وَأَنَا أَكْرَهُ الْكَيَّ وَلاَ أُحِبُّهُ (٢) . وكذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ (٣) .

وقد (انتظم هذا الحديث الشريف على جملة ما يتداوى به الناس، وذلك أن الحِجْم يستفرغ الدم، وهو أعظم الأخلاط والحجم أنجحها شفاء عند هيجان الدم، وأما العسل فهو مسهل للأخلاط البلغمية، ويدخل في المعجونات ليحفظ على تلك الأدوية قواها ويخرجها من البدن، وأما الكي فإنما يستعمل في الخلط الباغي، الذي لا تنحسم مادته إلا به، ولهذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم ثم نهى عنه، وإنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، ولهذا كانت العرب تقول: (آخر الدواء الكيّ) ، وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعدَ بن معاذ وأبيّ بن كعب، رضي الله عنهما، يوم الأحزاب (٤) ، واكتوى غيرُ واحد من الصحابة رضي الله عنهم) اهـ (٥) . هذا، (وإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرِد الحصر في الثلاثة، فإن الشفاء قد يكون في


(١) متفق عليه من حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه البخاري؛ كتاب: الطب، باب: الدواء بالعسل، برقم (٥٦٨٣) ، ومسلمٌ؛ كتاب: السلام، باب: لكل داء دواء واستحباب التداوي، برقم (٢٢٠٥) . ... فائدة: قيَّد النبيُّ صلى الله عليه وسلم الكيَّ بما إذا وافق علاجَ داءٍ بعينه، ولم يكن ثمة معالجة لهذا الداء إلا لذعة بنار، فقال صلى الله عليه وسلم: «أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ» ، وهذه الزيادة من مفردات البخاري - بالتخريج السابق - دون مسلم.
(٢) كما في مسند الإمام أحمد؛ (٤/١٤٦) ، من حديث عقبة بن عامر الجُهني رضي الله عنه.
(٣) جزء من حديث أخرجه البخاري، كتاب: الطب، باب: الشفاء في ثلاث، برقمي (٥٦٨٠-٥٦٨١) ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(٤) كما صحَّ عند مسلم؛ كتاب: السلام، باب: لكل داء دواء واستحباب التداوي، برقمَيْ (٢٢٠٧-٢٢٠٨) ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٥) مستفاد من كلام الإمام الخطابي، بنقل ابن حجر عنه. انظر: الفتح (١٠/١٤٥) .

<<  <   >  >>