للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشركية (١) ، التي كانت في الجاهلية، ثم أبطلها الإسلام، حيث كان أهل الجاهلية يعتمدون على الطير فإن كان سانحاً (أي طار عن يسارك وأعطاك ميامنه) تيمن به المسافر فمضى في سفره، وإن كان بارحاً (أي طار عن يمينك وأعطاك مياسره) تشاءم المسافر به وتطير، وحجزه ذلك عن سفره أو عن أمره الذي عزم عليه. فانظر، وفقك الله، كيف نفى الإسلام الطيرة الشركية التي تردّ صاحبها عن المطلوب، فقال عليه الصلاة والسلام: مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ حَاجَتِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ (٢) ، لاعتقاده أن ذلك سبب مؤثر في جلب نفع أو دفع ضر، فاعجبْ بعدها من أقوام لم يَكْفهم تشاؤم من كان قبلهم بمرئي، كجهة طيران طير، أو رؤية غراب، أو رجلٍ أعورَ، أو تشاؤمهم بمسموع كصراخ هامة (بوم) ،


(١) قُيِّدت الطيرةُ هنا بالشركية، للتحرز عن الطيرة التي بمعنى التشاؤم الذي لا يَرُدُّ عن المطلوب، وكذلك تحرزاً من الشؤم الجائز، والذي هو مستثنى من الطيرة بنص الأحاديث الصحاح، وهو الذي انحصر في: المرأة، والدار، والدابة، والفرس، والسيف. والمقصود به: أن تكون المرأة مثلاً سليط اللسان أو غير ولود، أو يكون جار الدار جار سوء، أو يكون في الدار ضيق، أو تكون الدابة لم يُغْزَ عليها أو تكون جَمُوحاً فلا يُنتَفع بها، أو يكون السيف لم يُضْرَبْ به في سبيل الله، أو اعتز به مشرك ونحوه. فإنه لكثرة ملازمة هذه الأشياء للإنسان جوّز له الشرع إبدالها بغيرها، إن وقع في نفسه كُرْهٌ لها لسبب ينفّر منها.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: المعنى أن هذه الأشياء أكثر ما يتشاءم به الناس، لملازمتهم إياها، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فله إبداله بغيره، مما يسكن له خاطره، مع اعتقاده أنه تعالى الفعال لما يريد، وليس لشيء منها أثر في الوجود. اهـ.
وقال الإمام النووي رحمه الله ـ ينقله عن الإمام الخطابي، وكثير من العلماء: الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس، أو خادم، فليفارق الجميع بالبيع ونحوه، وطلاقِ المرأة. اهـ.
انظر: في ذلك كله صحيح مسلم بشرح النووي: (١٤/٢٢٠) .
(٢) أخرجه أحمد في مسنده (٢/٢٠٢) ، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

<<  <   >  >>