أو نعق غراب، وكذا تشاؤمهم بأزمنة كصفر أو شوال، وبأمكنة يزعمون كثرة تغوّل (ظهور) الغِيْلان (أنواع من الجن) فيها، أقول: لم يكفهم ذلك جميعه، حتى عمدوا إلى التشاؤم بعدد حبات السبحة، وبرقم بعينه، وباسم حوى حروفاً كان مجموع أعدادها - للأسف - رقماً كارثياً يجلب الشؤم للمسمى به، فانظر كيف استخف أولئك الدجاجلة ومن أزّهم من شياطينهم بعقول الناس فأطاعوهم.
هذا، وإن طرق العرافة عديدة ليس المراد هنا التعريف بجميعها، لكنِ التحذيرُ من مسلك هؤلاء، ومن الاغترار بهم، فإن أحدنا يتملكه العجَب، بل ويأخذه الذهول أحياناً، حين يرى أحدهم لم يدَعَ سبيلاً للإضلال إلا واتبعه، همه في ذلك كله جمع شيء من فتات الدنيا وحطامها، فتراه يهرع طارقاً أبواب الفضائيات يروّج لكهانته، ويسوّق لعرافته، وقد تجد بعضها يحفِل بهم، يستضيفونهم مكرمين، يستشفون منهم رأيهم في حاضر الأحداث ومستقبلها، ثم تجد بعدها مجلدات لعلماء سموا بالروحانيين حملت عنوان: توقعات سنة كذا، قد انتشرت بين أظهر المسلمين انتشار النار في الهشيم، فيضرب إليهم بعض من عَلِيَّة القوم أكباد الإبل شادّين رحالهم إليهم، مشمِّرين عن ساعد الجِدّ، طلباً لتنبؤات هؤلاء، ولا يرتضون عنها بدلاً، باذلين في سبيل ذلك النفيس من المال، متفاخرين بين أقرانهم بعلو همتهم في ذلك، حتى صار أولئك العرّافون لديهم يتملكون حركاتهم وسكناتهم، فترى أحدهم لا يمكن له اتخاذ أي قرار - حتى لو كان مصيراً له أو لغيره - إلا بعد شَوْر الفلكي، حيث تحول الفلكي لديهم مشعوذاً منجّمًا كاهنًا عرافًا، جمع الشرَّ من أطرافه، لم يَدَعْ شيئاً من التكهن بعلم الغيب المطلق إلا وقال به قوله الذي لا يرد، ومَشُورته التي لا تُخالَف، فإن لم يفعلوا فقد امتنع النفع