للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخامسة: أن السحر ثابت له حقيقة، وهو مؤثر بإذن الله الكوني القَدَري، وذلك بما يخلقه الله سبحانه عند وجود السحر، فلا يكون السحر ولا الساحر مستقلاً بالتأثير، وهذا هو مذهب أهل السنة، وأن القائلين - من أهل العلم - بأنه لا حقيقة للسحر، وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام لكون الشيء على غير ما هو به، وأنه ضرب من خفة اليدين (الشعوذة أو الشعبذة) (١) ، هؤلاء قد نظروا إلى نوع بعينه من السحر وحسب، كما قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: ٦٦] ، وقال تعالى: {سَحَرُوا أَعْيُنُ النَّاسِ} [الأعراف: ١١٦] . وإن أهل السنة لا ينكرون أن يكون التخييل والمحاكاة من جملة السحر، لكن ثبت وراء ذلك أمور في السحر وتأثيره، جوّزها العقل، وورد بها السمع - أي: النصوص - فمن ذلك ما جاء من ذكر تعليم الملكين ببابل للناس السحر، ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليمه، ولا أخبر تعالى أنهم يعلّمونه الناس، وأن من أثره حدوث فرقة بين الزوجين بإذن الله. كما أنه يستدل على ثبوت السحر، وحقيقته، وأنه أعم من كونه تخييلاً،


(١) نقل الإمام ابن كثير عن الفخر الرازي رحمه اللهأن الشعوذة هي نوع من أنواع السحر، ومعناها خفة اليد، بقصد التخييل للناظر، والتأثير على صحة حكم إبصاره، ومبناه على أن البصر قد يخطئ ويشتغل بالشيء المعيّن دون غيره إذا تم إظهاره بخفة بالغة، وألحق بمنظر آخر بسرعة شديدة، ويرافق ذلك كلام من المشعوذ يصرف به خواطر الناظرين إلى ما يريد، ويصرفهم عن ضد ما يريد، فتتحرك نفوس الناظرين متوهمة إلى تصديق ما يريده، فتسحر بذلك الأعين، وبخاصة لو وقف المشعبذ في موقع مضيء جدًا أو مظلم للغاية فلا تقف القوة الناظرة على أحوال ما يفعل والحالة هذه. قال تعالى: [طه: ٦٦] {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} . اهـ. - بتصرف يسير - من تفسير ابن كثير ص ١٣٠. ط - بيت الأفكار الدولية.

<<  <   >  >>