حصول أحوالٍ له، كمخالطته النيران حال كونه قد ادّهن بما يمنع نفاذ حرها إلى بدنه، أو يمسك حياتٍ قد أزال خطر سمِّها، فيُلبِّس بذلك على الناظر الجاهل بحقيقة حاله، فيفتتن به.
النوع السابع: سحرٌ بتعليق قلب السامع بالادعاء أن الساحر قد عرف اسم الله الأعظم، ولذا، فإن الجن قد صاروا منقادين له لا يعصون له أمرًا (١) ، فتقع المهابة إذ ذاك في نفس السامع، فتضعف حواسه، فيتمكن الساحر من فعل ما يشاء. ولا شك بأن هذا منطبق على ضعفاء العقول من الناس، لكن من وُهِب أدنى فراسة فإنه يميز بها أهل الصلاح من غيرهم.
النوع الثامن: سحرٌ بالسعي بنميمة وتضريبٍ (تفريق) بين الناس، وتحريش بينهم، ليتباغضوا ويتنازعوا. ولا يدخل في ذلك النميمةُ بالخير للإصلاح بين الناس، ولا النميمة بين الأعداء الكفرة، للتخذيل والتفريق بينهم، فهذا أمر محمود وفيه مزيد إيقاع نكايةٍ بهم.
ومما يُلحظ فيما سبق من تقسيمات لأنواع السحر، أنها مفصَّلة، وقد نُظِر فيها تارة إلى المعنى اللغوي للسحر، وهو: ما لَطُف ودَقَّ وخَفِي سببُه، وأخرى إلى الأثر الحاصل بالسحر، كالصرف (التفريق بين المرء وزجه) ، والتِّوَلة (العطف والمحبة) ، والجنون والخمول والتخييل والمرض والنزيف، وغيرها. ولعل الأَوْلى في ذلك كلِّه أن تُجمَل هذه
(١) ومن يفعل ذلك يسمى معزِّمًا. يقول الإمام أبو بكر الجصّاص رحمه الله: "وضرر أصحاب العزائم وفتنتهم على الناس غير يسير، وذلك أنهم يدخلون على الناس من باب أن الجن إنما تطيعهم بالرقى التي هي أسماء الله تعالى، فإنهم يجيبون بذلك من شاؤوا، ويخرجون الجن لمن شاؤوا، فتصدّقهم العامة على اغترارٍ بما يُظهرون من انقياد الجن لهم بأسماء الله تعالى التي كانت تطيع بها نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام ... " انظر: أحكام القرآن للجصاص (١/٤٦) .