للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم رماهم بقبضة من الحصباء، وقال: «شاهت الوجوه»، فلم يكن بعدها إلا هزيمة القوم، يقول الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧]، أي: سدد [١٤٩/أ] رميتك، فصدق الله ما وعده من النصر، وصدق ما قدم في الكتب المتقدمة، من ذكر هذه الموقعة على لسان شعيا، وهو قوله: ينزل البلاء بمشركي العرب، وينهزمون بين يدي سيوف مسلولة، وقسي موترة، ومن شدة الملحمة». وهذا كلام لا يستطيع أحد أن يحتال فيه ويتأوله، لقوله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ}، بالسين التي هي في معنى سوف، وهذه السين وسوف لا يكونان إلا لأمر لم يقع، ألا ترى أنك تقول سأفعل هذا غدًا، وسوف أفعله بعد شهر، ولا يجوز أن تقول سوف أفعله أمس، وسأفعله أول أمس، وما يزيد في وضوح ذلك، قوله: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران: ١٥٢]، أي: تقتلونهم.

[وخبر آخر من الكتاب]

من ذلك أن النبي وعد المسلمين على الله؛ أن يغنمهم إحدى الطائفتين، وكانت إحداهما: ذات بز وطيب وأدم وأموال، ولا رجال فيها إلا عدة يسيرة، والطائفة الأخرى: ذات شوكة ورجال وعدد، فمال المسلمون بأهوائهم إلى ذات المغنم، وكرهوا الأخرى، وأبى الله إلا ذات الشوكة، وأنزل - عز وجل -: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: ٧، ٨]،

<<  <   >  >>