للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي قاله الله جل ثناؤه من قبل؛ وأرادوا أن يبدلوه، هو قوله: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} [التوبة: ٨٣]، فكيف يجوز له أن يدعوهم، وقد أمره الله أن لا يدعوهم أبدًا، ولا يقاتل بهم عدوًّا، إذْ رضوا بالقعود أول مرة.

[خبر آخر من الكتاب]

ومن ذلك قول الله جل ذكره: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: ١ - ٤]، وكانت فارس غلبت الروم على أرض الحيرة، وهي أدنى أرض الروم من سلطان فارس، فسُرَّ بذلك مشركو قريش، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على أهل فارس؛ لأن الروم أهل كتاب وأهل فارس مجوس، فساءهم أن غلبوهم على شيء من بلادهم، فأنزل الله: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}، أي: الروم من بعد أن غُلِبوا: {سَيَغْلِبُونَ}، أهل فارس، {فِي بِضْعِ سِنِينَ}، والبضع: ما فوق الثلاث ودون العشر، فغلبت الروم [١٤٩/أ] أهل فارس، وأخرجوهم من بلادهم يوم الحديبية، وذلك بعد سبع سنين، ثم قال الله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: ٤]، أي: له القضاء بالغلبة لمن شاء من قبل ومن بعد، ويومئذ أي: يوم يغلب الروم أهل فارس، يفرح المؤمنون بنصر الله أهل الكتاب على المجوس، وبتصديق الله ما وعد من ذلك به، فتفهم قول الله تعالى في بضع سنين وتحديده الوقت، ولم يقل وهم من بعد غلبهم سيغلبون فيما بعد، ثم قال مؤكدًا لما وعد ومحققًا: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: ٦].

<<  <   >  >>