للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولن يخفى على أحد أنَّ من كان في حومة القتال والمعركة لا يغشاه النعاس، لا سيما وهو في قلة العدد وضعف الحال، وأعداؤهم من كثرة العدد وقوة الحال؛ على ما قدمت به الوصف.

[حرف آخر من الكتاب]

ومن ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ} [الجمعة: ٦]، يعني المسلمين، {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الجمعة: ٦]، يريد: ادعوا على أنفسكم بالموت إن كنتم صادقين، ثم قال: {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الجمعة: ٧]، أفما في إقدامه عليهم بهذا القول! وامتناعهم في الدعاء به على أنفسهم؛ دليل على علمه، وعلمهم بأنه لو دعوا به لأجيبوا، ولو لم يعلم ذلك لخشي أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه، ولا ينالهم بعده مكروه، فيظهر في قوله الخلف، وتعدى عليه أعداؤه بالإفك، ولو لم يعلموا ما يلحقهم إذا هم دعوا به على أنفسهم؛ لسارعوا ليكذبوه وليتجنبوه، وكذلك الخطب في دعائه إياهم إلى المباهلة وامتناعهم.

[حرف آخر من الكتاب]

ومن ذلك قوله تعالى في اليهود: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} [آل عمران: ١١٢].

ومصداق هذا في اليهود بيّن في كل عصر وكل مصر؛ فإنهم أذل الكفار نفوسًا، وأرقهم هيبة، وأدنسهم لباسًا، وأقذرهم أقبية، وأنتنهم أرواحًا، ولا تراهم في أمة من الأمم إلا وعليها في تلك الأمة صغار أو خزية وإتاوة، وحقٌّ لمن يرتع في لعنة الله ويمسي بسخطه؛ أن يكون كذلك.

<<  <   >  >>