للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خرجت مقالاته مزيجا من تجارب الشباب ونزواته وتأملاته الكهولة وما تتسم به من رزانة وتحرج. وأما باكون فقد كان آنذاك في مطلع حياته العملية، وكان الطموح يملأ جانبيه ويملك عليه أقطار نفسه، ويرسم أما عينيه هالة المثل الأعلى في الحكم والرئاسة، ولذا جعل من مقالاته دروسا واضحة مركزة لأولئك الذين يكدون ويجتهدون حتى يبلغوا النجاح في حياتهم العملية.

إلا أن أثر مقالات مونتين، ما لبث أن شق طريقه إلى الأدب الإنكليزي عريضا لاحبا، وكان ذلك على يدي وليم كورنوالس١، صديق بن جونسون، الذي أصدر مجموعة من المقالات في مجلدين ظهرا سنة ١٦٠٠ و١٦٠١ على التوالي. وقد عرض فيها لبعض الموضوعات العامة التي عرض لها مونتين وباكون كالحب والمجد والطموح والشهرة والحزن والغرور والحظ وما إلى ذلك. وكتب أكثرها بضمير المتكلم، وأدارها حول نفسه، شأن مونتين الذي اعترف له كورنوالس بدين لا ينسى، في غير موضع من تلك المقالات. وقد استعان فيها ببعض الأقوال المأثورة التي استقاها من قراءاته، إلا أنه شأن مونتين أيضا، أضاف إليها الكثير من تجاربه الخاصة، وجعل منها معرضا لآرائه وذوقه وأحاسيسه. ونتيجة لذلك كله، لقيت هذه المقالات تقديرا كبيرا في الأوساط الخاصة والعامة، سحابة النصف الأول من القرن السابع عشر.

وإذا عدنا إلى باكون ثانية، نجد أنه يصدر في سنة ١٦١٢ طبعة جديدة موسعة من مقالاته، وقد أصبح عددها ثمانيا وثلاثين، بعد أن


١ راجع تفصيل أثر مونتين في كورنوالس في كتاب:
The french influence in English Literature. by A.H Upham pp. ٢٦٥-٣٠٧.

<<  <   >  >>