ليس من اليسير تحديد الموضوعات التي يتاح لكتاب المقالة الذاتية، أن يديروا حولها مقالاتهم. فهي متنوعة تنوع التجارب الإنسانية، متباينة تباين شخصيات الكتاب، فكل كاتب من الكتاب، صورة متميزة بألوانها وخطوطها. وقد تتقارب الألوان وتتلاقى الخطوط، إلا أن كل شخصية تحتفظ بطابعها الخاص وقسماتها الفارقة. وقد رأينا تسهيلا للبحث أن نعرض أهم ألوان هذا النوع من المقالة، كما ظهرت على أقلام أشهر كتابها:
١- الصورة الشخصية: وهي خير ما يمثل هذا النوع؛ إذ إنها تعبير فني صادق عن تجارب الكاتب الخاصة والوراسب التي تتركها انعكاسها الحياة في نفسه. وهي في أحسن حالاتها ضرب من الحديث الشخصي الأليف، والثرثرة والمسامرة، والاعتراف والبوح. ولكنها تمتاز إلى جانب ذلك بروعة المفاجأة وتوقد الذكاء وتألق الفكاهة. ولا تخلو من السخرية الناعمة أو الحادة، تبعا لاتجاه الكاتب وألوان شخصيته. وقد حدد الدكتور زكي نجيب محمود شروط هذا النوع من المقالة واتجاه الكتاب فيها بقوله:
"شروط المقالة الأدبية أن يكون الأديب ناقما، وإن تكون النقمة خفيفة يشيع منها لون باهت من التفكه الجميل. فإن التمست في مقالة الأديب نقمة على وضع من أوضاع الناس فلم تجدها، وإن افتقدت في مقالة الأديب هذا اللون من الفكاهة الحلوة المستساغة فلم تصبه، فاعلم أن المقالة ليست من الأدب الرفيع في كثير أو قليل، مهما تكن بارعة الأسلوب رائعة الفكرة. وإن شئت فاقرأ لرب المقالة الإنكليزية "أديسون" ما كتب، فلن تجده إلا مازجا سخطه بفكاهته، فكان ذلك أفعل أدوات الإصلاح.
نريد من كاتب المقالة الأدبية أن يكون لقارئه محدثا لا معلما، بحيث يجد القارئ نفسه إلى جانب صديق يسامره لا أمام معلم يعنفه. نريد من كاتب المقالة الأدبية أن يكون لقارئه زميلا مخلصا، يحدثه عن تجاربه ووجهة نظره، لا أن يقف منه موقف الواعظ فوق منبره، يميل صلفا وتيها بورعه وتقواه، أو موقف المؤدب يصطنع الوقار حين يصب في أذن