سامعه الحكمة صبا ثقيلا. نريد للقارئ أن يشعر وهو يقرأ المقالة الأدبية أنه ضيف قد استقبله الكاتب في حديقته ليمتعه بحلو الحديث. لا أن يحس كأنما الكاتب قد دفعه دفعا عنيفا إلى مكتبته ليقرأ له فصلا من كتاب"١.
وخير من يمثل هذا النوع من المقالات في الأدب الأوروبي، مونتين وشارلس لام وأولفر وندل هولمس. وقد كان لكل منهم طريقة خاصة، غدت بين الكتاب عرفا شائعا، ونبراسا تعشو إليه أبصارهم.
فطريقة مونتين ومن اهتدى بهديه من الكتاب تقوم على الموضوع والتألق، وتعكس كبيرا من الفكاهة الحلوة والسخرية الناعمة. ويبدو لنا الكاتب من خلالها، رجلا اختبر الحياة وتمرس بآفاقها وتجرع كأس الشقاء حتى الثمالة، وخرج من كل ذلك بابتسامة المدرك الواعي، الذي اطلع على صغار الناس، وعرف دواعيه ونتائجه، فوقف منه موقف المشفق المتسامح. وقد أدرك أن طموح الإنسان وآماله العريضة في الحياة، إن هي إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا أتاه لم يجده شيئا، فأحر به أذن أن يزور عن الحياة أو أن ينظر إليها بعين مستخفة ساخرة انبثاق بعض الحقائق التي تمثل أمام ناظريه وتحمله على أن يتدبرها، أو يلقاها بالجد الصارم بادئ ذي بدء، ثم يحدب عليها بعطفه، أو يذرف عليها دمعة رثاء.
وهو رضي النفس دمث الخلق لا يشمخ بآنفه، أنفة وكبرياء، ولا يتصرف تصرف الجلف الجافي الطباع، بل يحتفظ باتزانه وهدوئه دوما. ثم إنه يقف إلى جانب الحق دائما، ويعليه على كل اعتبار، بيد أنه لا