يندفع في ذلك متحمسا طائشا، بل يكبح جماح أهوائه، ويكفكف من غرب نزواته.
وأسلوبه بسيط رخي، فهو لا يسهب مثرثرا، ولا يبيح لقلمه أن يجول على وجه القرطاس ويصول، دون ما رادع أو زاجر. وهو أخيرا رجل متحضر مثقف. صقلت أخلاقه المدنية، وهذبت ميوله اختباراته الواسعة في الحياة.
أما شارلس لام ورجال مدرسته، فإنهم يؤثرون المبالغة ويشقون على أنفسهم في التهويل ويسرفون في عواطفهم إلى غير غاية. والكاتب من هؤلاء يمتاز بتأثره الشديد بالجمال، ويكون عبدا للحالات النفسية التي تنتابه، فهو تارة حزين مسرف في الحزن، والفرح في نفسه مدثرة أو مائعة، فهو هوائي المزاج، يضحك حتى تطفر من عينيه دمعة الرضا والبهجة، ولكنها سرعان ما تنقلب إلى دمعة حرّى سخينة، هي دمعة الحزن العميق، والألم العاصف. وهو لا يرمي بضحكه إلى تهذيب، ولا يستهدف به إصلاحا، بل يجد في البحث عن النكتة، ويجعلها وكده، حتى ولو أقام نفسه محورا للتفكه والتندر.
وهو شارد اللب موزع الخاطر في بعض الأحيان قد يركب رأسه وتجمع به نزوات الغضب. ولكنه يحتفظ دوما بصفته الأساسية وهي الوداعة والتسامح وصفاء النفس. وهو يحب الأطفال ويحدب عليهم، ويحترم السيدات ويقف لهن إجلالا ويركع أمامهن متعبدا. وله في اختيار أنواع الطعام وتمييز ألوان الشراب ذوق صادق لا يخطئ، ولكنه إذا طولب بتعليل لهذا الاختيار أو ببرهان على إيثار هذا اللون على ذاك، لجأ إلى المداورة والتحيل، وتورط في بعض الأدلة المضحكة والآراء المستهجنة