وخبرته في الآثار والعادات، لا تقل عن خبرته في تمييز المآكل والمشارب، فإذا ما دخل بيتا من البيوت، أخذ يتلفت يمنه ويسره باحثا عن خزانة الصيني، ليجلو عينيه بمرأى قطعها النفيسة. فإذا افتقدها، بحث عن الكتب القديمة والمخطوطات النادرة، أو حدق في قطع الأثاث التاريخية والرياش النفسية، يتأملها تأمل الهاوي الخبير.
أما أولفر وندل هولمس، فإنه يتميز بالنوادر العملية التي تنضح بالذكاء وتشي بالمهارة وخفة اليد. وله عين لاقطة تلمح المفارقات المستغربة والصور العجيبة في الحياة. ولا يذهب به التطرف إلى أن يجعل من مقالته مكرضا للغو والهذر، بل يحرص أشد الحرص على أن يوفر لكتابته الكثير من القيم الاجتماعية التي تمس المشكلات الأساسية في بيئته. ولا يفهم من هذا أنه كان يترخص في كتابته، فقد كان الرجل واسع الاطلاع محيط الثقافة، لا يعجزه أن يستغل علمه الغزير فيما يكتب، وذلك لكي يبرز الأشياء المألوفة في حلة قشيبة من البداهة والذوق وحسن التعليل، يبطنها بفكاهة خبيثة ذكية.
وقد كان لوراثته البيوريتانية أثر في اتجاهه الوعظي، فقد كان يلتزم الدفاع عن تقاليد بيئته الموروثة؛ لأنه كان يشعر بأنه يعيش في عصر يميل أهله إلى التحرير، بل إلى الإباحية في كثير من الأحيان. وكان يتجنب الألفاظ التافهة الخاوية التي لا تنطوي على مدلول اجتماعي قوي واضح. وكان لخبرته التي اجتناها من احتكاكه ببعض الشخصيات، ومن تمرسه بمختلف ضروب النشاط الحيوي، فضل في ما امتازت به مقالته من النظر الاجتماعي والتحليل الخلقي.
وهذه الأساليب جميعا موجودة في أدبنا المقالي عند الكتاب المشاهير، أمثال محمد السباعي والمازني والعقاد وأحمد أمين ومي زيادة