بيد أننا نعثر في آثار الإغريق والرومان الأدبية أيضا، على صورة متطورة لهذه المحاولات البدائية، حيث نقع على تباشير المقالة الحديثة على أنواعها. والأدب الإغريقي قبل الفتح الروماني، لا يقدم لنا الكثير مما نستطيع أن نعتبره نماذج ساذجة للمقالة الحديثة، مع ما بلغه من تقدم في الفنون الأدبية الأخرى كالملاحم والمآسي والملاهي. ولكن تلك الفترة التي تنتهي حوالي منتصف القرن الثاني قبل الميلاد، كانت المعين الثر الذي استقى منه أدباء الإغريق المتأخرون، وكذلك أدباء الرومان، الذين قدموا بين يدي المقالة الحديثة آثارا فذة، أتيح لهم أن يوفقوا إلى إنتاجها بسبب الظروف المواتية التي أحاطت بهم آنذاك. ولعل أجدرها بالذكر، تلك الفترة الطويلة من السلم والازدهار، وما هيأته لهم من الفراغ والدعة والطمأنينة، وما شملهم فيها من رعاية أولى الأمر وحدبهم وتقديرهم.
وهذا لا ينفي أن تباشير المقالة قد ظهرت في آثار بعض كتاب الإغريق أمثال فيثاغورس وهيردوتس وثيوكديدس وأكزينوفون وديموسثنيس وأبيقور وبوليبيوس وديونيزيوس ولوسيان ولونجينوس وأثينايوس وسواهم، ممن عاشوا في الفترة التي امتدت من القرن السابع قبل الميلاد حتى القرن الثالث بعده.
كما أن أساليب بعض الفلاسفة والكتاب أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطوطاليس وثيوفراسطوس وفلوطارخوس، كانت ذات أثر مباشر في أساليب بعض أنواع المقالة الحديثة. فأسلوب الحوار ظهر مشرقا بارعا في آثار سقراط وأفلاطون وأرسطوطاليس. وقد امتاز أفلاطون فضلا عن ذلك، بالحرية في التعبير والانطلاق في الحديث، وهاتان الميزتان ظهرتا