قيمتها، بل يقضي عليها بالفناء العاجل ... وهي بهذا تختلف عن البحوث والدراسات؛ لأن هذه تفنى متعتها عندما يستنزف القارئ ما فيها من معلومات أو عندما تتغير بعض الحقائق التي اشتملت عليها، بتقدم العلم، أو اختلاف الأذواق. وليس هذا مصير المقالة بمعناها الأدبي الصحيح؛ إذ إنها في هذه الحالة، لا تشتمل على قيم خارجة عن نطاقها الخاص، أي أنها تكون ممتعة في ذاتها، وبهذا وحده يكتب لها الخلود، لا بما تحتويه من المعلومات الموثوقة أو التحليل العلمي الدقيق.
وكذلك لا تقوم المقالة على الجدل والنقاش؛ لأن المجادل يسعى دوما إلى عرض الحقائق كما يراها من زاويته الخاصة، وكما ينسقها بمنطقه الخاص. وهو بهذا يدافع عن رأي ارتآه، أو مذهب اعتنقه. ولكن المقالة لا تعنى بشيء من ذلك، بل تعنى بالتعبير عن تجربة حيوية تمرس بها الكاتب وتقلب على جمرها، ويشترط في كاتب المقالة الذاتية أيضا ألا ينظر إلى الحياة نظرة جادة، بل عليه أن يلمحها بعين ساخرة متسامحة تغضي على القذى وتستمرئ العلقم. فلا يندفع في تيار المواعظ التي تصبح غاية في نفسها، بحيث تمحي معالم شخصية الكاتب فينحرف عن مهمته الأولى وهي التعبير عن نفسه، تعبيرا صادقًا ممتعًا.