موقف المعلم لا الزميل، موقف الكاتب لا المحدث، موقف المؤدب لا الصديق، ويصطنع الوقار فلا يصل نفسه بنفسه. وإلا فحدثني بربك أي فرق يجده القارئ بين الصحيفة الأدبية والكتاب المدرسي؟.."
ثم يقول:
"فكاتب المقالة الأدبية على أصح صورها، هو الذي تكفيه ظاهرة ضئيلة مما يعج به العالم من حوله، فيأخذها نقطة ابتداء، ثم يسلم نفسه إلى أحلام يأخذ بعضها برقاب بعض، دون أن يكون له أثر قوي في استدعائها عن عمد وتدبير، حتى إذا ما تكاملت من هذه الخواطر المتقاطعة صورة، عمد الكاتب إلى إثباتها في رزانة لا تظهر فيها حدة العاطفة، وفي رفق بالقارئ حتى لا ينفر منه نفور الجواد الجموح؛ لأن واجب الأديب الحق أن يخدع القارئ كي يمعن في القراءة كأنما هو يسري عن نفسه المكروبة عناء اليوم أو يزجي فراغه الثقيل، وهو كلما قرأ تسلل إلى نفسه ما شاع في سطور المقالة من نكتة خفية وسخرية هادئة، دون شعور منه بأن الكاتب يعمد في كتابته إلى النكتة والسخرية. فإذا بالقارئ آخر الأمر يضحك، أو يتأثر على أي صورة من الصور، بهذه الصور الخيالية التي أثبتها الكاتب في مقالته. وقد تعجب القارئ: كيف يمكن أن يكون في النفوس البشرية مثل هذه اللفتات واللمحات! ولكنه لن يلبث حتى يتبين أن هذا الذي عجب منه إنما هو جزء من نفسه أو نفوس اصدقائه، فيضجره أن يكون على هذا النحو السخيف، فيكون هذا الضجر منه أولى خطوات الإصلاح المنشود"١. وهذا يعني أن تأملات الكاتب يجب أن تكون ممتعة في ذاتها فلا يحسن أن تكون وسيلة لغاية تختفي بين سطورها، فتوجه المقالة توجيها وعظيا يضعف من