للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمسخ، ويعرضونها على القراء عرضا ينضح بالسخرية المرة والنقد اللاذع، بقصد إصلاح ما فسد وتقويم ما أعوج من أخلاق الناس وعاداتهم.

وقد وجد كتَّاب هذه المقالات، أن مقالة القرنين السادس عشر والسابع عشر، بحدودها الضيقة الصلبة التي رسمها مونتين، ثم قفّى على آثاره فيها باكون وكاولي، لم تعد مطية ذلولا لهذه النزعة الإصلاحية القوية، ولم تعد أداة صالحة لتربية الذوق وتقويم الأخلاق وخضد شوكة النزوات. ولذا حاولوا أن يحتفظوا بقالبها العام في حدود ضيقة، وجدوا في خلق نوع جديد منها، يحتمل أغراضهم المستحدثة، ويصلح لقرائهم على اختلاف أذواقهم ومشاربهم.

وكان من أهم ما أدخلوه إلى مقالتهم الحديثة هذه، الصور الشخصية، متأثرين بذلك التقليد الذي تركته شخصيات ثيوفراسطوس في الأدب الأوروبي عامة، منذ بدء النهضة، وفي الأدب الإنكليزي خاصة منذ أوائل القرن السابع عشر. وكان الكتَّاب الإنكليز يكتمون أعجابهم الشديد بهذه الصور الحية، ويودون لو استطاعوا أن يتأثروها في مقالاتهم، حتى خرج عليهم الكاتب الفرنسي لابرويير بنماذجه التي ترجمت إلى إلإنكليزية سنة ١٦٩٩، فاستعلن هذا الإعجاب المستسر، وظهر تأثيره في مقالاتهم بعد بضع سنوات. وقد أفاد هؤلاء الكتاب أيضا من أسلوب الرسائل الأدبية، واستعانوا ببعض الحكايات والمواعظ القصصية ذات المغزى، التي وقعوا عليها في الآداب الكلاسيكية، من غربية وشرقية.

<<  <   >  >>