للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغامض، عالم العواطف واللاشعور. وعلاقتنا العاطفية الخاصة بالحقيقة الخارجية تلمس هذه الحقيقة وتوضحها بومضات اللون والضوء والظل. وهذه العلاقة الخارجية لا تكتفي بأن تخلق في الحال علاقة مثالية "غير ذريعية" بين نفوسنا وبين العالم، ولكنها كذلك تجعل من المستطاع قيام علاقة مرنة واضحة بشكل غير عادي بين ظواهر تبدو منفصلة في عقولنا. ويتبع ذلك أنه ينبغي علينا أن نشحذ مداركنا حتى نستطيع فهم ظلال المعنى الدقيقة، وإدراك الطرق التي يستطيع بها الأدب أن يوسع من فهمنا عن طريق الدقة في الكناية والإيحاء"١.

فالعمل الأدبي يرتاد بنا الحياة، ويخلق بيننا وبينها علاقات جديدة من الفهم, والمعرفة، وهي الغاية التي تسعى لها الإنسانية في نشاطها الدائب.

وعندما نفهم طبيعة التجربة الموضوعية، وطابع الحياة الداخلية فإننا نجد أنفسنا -وقلّ أن يحدث ذلك- في ميدان الروح. وكثيرًا ما يأتي هذا الشعور بالسمو نتيجة مثير عاطفي -له قوة ورهافة غير عادية- يقف وحده غالبًا, سواء أكانت هناك علاقة بسيطة أم لم تكن, بينه وبين مجموعة من القيم الراسخة في السلوك البشري. ولحظة من التفكير تذكرنا بمجموعة من القصائد التي لها من هذه القوة والإثارة ما يجعلنا نشعر بأننا نسمو عند قراءتها.

هذه الأسباب الثلاثة لرضائنا عن العمل الأدبي ليست منفصلة, ولكنها تتحد جميعًا لتخرج لنا عملا جميلا محكما٢.

مشكلة العمل الأدبي:

فالعمل الأدبي -فيما يبدو- ليس بسيطًا, إنه يستمد من الحياة، ولكنه ليس مجرد معنى للحياة أو فكرة عنها نتعلمها كما نتعلم الأشياء الأخرى أو كما نتعلم ذلك من الفلسفة مثلا. إنه طاقة هائلة تشع ألوانًا من الإشعاعات على مر الزمن، فلا يخبو لمعانها حتى يتجدد مع الإنسانية المتجددة الدائبة التجدد. وهي طاقة هائلة التأثير، فيكفي أن يقول الأديب كلماته حتى يكون لها من الفعل بالنفوس ومن تحريك الأرواح ما يفوق أثره كل قوة؛ ذلك أن فعلها لا يقتصر على جماعة من الناس في وقت من الأوقات، ولكنه من الممكن أن يمتد إلى كل إنسان في كل زمان وكل مكان. ويوم يطلق الشاعر قصيدته يكون العالم قد كسب قوة هائلة جديدة، ولكنها قوة خالدة باقية.

إن خفقة القلب لتدفع إلى الوجود وجودًا، وإن لمحة الروح لتنفذ فتخترق القيود والسدود. وفي الوجود الأكبر تلتقي كل طاقة كونية، تلتقي الطاقة تشعها الذرة، وتلتقي الطاقة تشعها الكلمة.


١ المرجع السابق ص٢٣, ٢٤.
٢ المرجع السابق ص٢٤, ٢٥.

<<  <   >  >>