المستمر الذي تقوم به هذه الشخصية؛ ومن ثَمَّ فإننا نتعرف ملامح هذه الشخصية خلال هذا الكشف المستمر.
وما زال هناك من كتابنا من يتبع المنهج البلوتاركي١ القديم في تقديمه الشخصية، فقد كان بلوتارك يسرد أعمال من يختار الترجمة لهم من المشاهير ثم يأتي في النهاية بتلك المواقف التي تصور شخصياتهم. وهو منهج لا يمكن أن يخلق التعاطف بين القارئ والشخصية المترجم لها، ذلك التعاطف الذي لا بد منه كي تؤدي الترجمة مهمتها وتثبت فنيتها. على أن فن التراجم الحديث قد نبذ هذا المنهج تمامًا.
وأخيرًا، ينبغي الالتفات إلى حقيقة مهمة في موقف الكاتب من الشخصية التي يترجم لها ومن القراء، فليس الكاتب مطالبًا -بل ليس من حقه- أن يصدر على الشخصية التي يترجم لها أي حكم من أي نوع.
وهنا لا بد من الالتفات إلى نوعين من ترجمة الحياة. فالكاتب قد يترجم لشخصية سابقة, وهو عندئذ يتمثل الآخر في البيئة والزمان اللذين عاش فيهما هذا نوع, والنوع الآخر هو ترجمة الحياة الشخصية، وذلك عندما يكتب لنا الكاتب ترجمة حياته هو الخاصة, وهي عندئذ تسمى "ترجمة ذاتية Autobigrophy"، وهذا النوع يحتاج من الكاتب إلى الأمانة والصدق.
ويمكن أن يقال: إن أصدق حياة يمكن أن يكتبها الإنسان هي ترجمته لحياته الخاصة، فهو أعرف الناس بها، ولكن يبدو أن هذا غير صحيح في كثير من الأحوال، ففهم الإنسان لنفسه أمر مشكوك فيه، فربما كانت قدرته على فهم الآخرين أكبر من قدرته على فهم نفسه. واعتماد الإنسان على ذاكرته في استرجاع أحداث حياته يجعل من المحتمل إفلات كثير من الوقائع الصغيرة ذات الدلالة الكبيرة في حياته من ذاكرته. ولا بد في هذه الحالة من أن يكون الشخص قد دون كل ما مر به في حياته في حينه، حتى إذا ما عاد إليه بالقراءة استطاع أن يسترجع المواقف القديمة. وهو في هذه الحالة مضطر لأن يخرج عن ذاته يفحص ذلك الذي دونه فحصًا موضوعيًّا، وكأنه يفحص مذكرات شخص آخر يريد أن يكتب ترجمة حياته.
ومن جهة أخرى يستطيع كاتب الترجمة الذاتية أن يتجنب من الوقائع القديمة ما لا يرضى عنه، وبخاصة تلك الوقائع التي لا يعرفها -أو لم يعد يعرفها- أحد سواه.
١ نسبة إلى كاتب السير اليوناني Plutarch "٤٦-١٢٠م". ومن أشهر آثاره كتاب "حيوات متوازية Paralle Livs".