من أدب ذي قيمة، فهناك أعمال قيمة لم تصل إلينا لسبب آخر غير وقتيتها. ولسنا نستطيع -من جهة أخرى- أن نحكم على العمل الأدبي المحدث بأنه يختص بنا وحدنا وبعصرنا وظروفنا ومقتضيات حياتنا الحاضرة، وأنه لا يتضمن عناصر تضمن بقاءه، فإن ما يبدو لنا الآن شديد الحيوية لن يخفق في أن يبدو لعقولنا له صفات العالمية والبقاء١.
معنى هذا أن المقياس لن يمكن استخدامه إلا بالنسبة لما اندثر من إنتاج أدبي, وهذه مفارقة غريبة! ولكن إذا حدث أن وقفنا أمام عملين أدبيين، أحدهما قديم والآخر حديث؛ لفحص قيمتهما، فإننا ننحاز لإعطاء القيمة لذلك الأدب الحديث الذي نبت من صميم الحياة التي نحياها نحن، وأفاد من كل المؤثرات التي تتصل بالظروف المحيطة بنا، وتناول الحقائق والمشكلات التي تتصل بنا اتصالا مباشرا، بوصفنا كائنات تعيش في بيئتها وعصرها. هذا الأدب لا بد أن تكون له أهمية بالنسبة لنا, وهي تختلف اختلافًا واضحًا عن الأهمية التي للأدب العظيم في الماضي، وهي -لأسباب كثيرة- أكثر منها عمقًا وقوة.
وهناك غير الابتكار والقدرة على البقاء مقاييس أخرى يحدد بها ما للأدب من قيمة.
وهذه المقاييس تستمد مباشرة من فلسفة الناقد الخاصة في الحياة والأدب، التي قلنا: إنه من اللازم وضوحها في نفسه قبل إقدامه على أي نقد أو إصدار حكم نقدي على عمل أدبي.
ومن كل ذلك يتضح لنا أن مهمة النقد -كما هي مفهومة في العصر الحاضر- مهمة ذات شطرين: الأول تفسيري علمي، يحاول فيه الناقد أن يتمثل في نفسه العمل الأدبي، وأن يربط -أو يتلمس ما يربط- بينه وبين الحياة من جهة، وأن يكشف هذه العلاقات للقارئ فيخلق بينه وبين العمل الأدبي -من جهة أخرى- صلة قوية. والشطر الثاني حكم ذاتي يحدد فيه الناقد ما في العمل الأدبي من قيم بالنسبة لغيره من الأعمال الأدبية الأخرى، قبل أن يقول عبارته التقليدية: هذا جيد، أو هذا رديء.
وهذه المهمة ذات شطرين قلّ أن يقوم بها ناقد قديم على الإطلاق؛ لأن النقد القديم له طابع عام غالب عليه، هو أنه نقد حكمي، في حين أن النقد الحديث قد تأثر تأثرًا كبيرًا بالدراسات النفسية التي تشرح طبيعة الخيال والتعبير وعملية الإبداع والشعور