لفظية جديدة، ولكن مهمتهم الأساسية هي أن يضيفوا إلينا محصولًا جديدًا من الخبرات النفسية، ومشاعر أعمق من مشاعرنا العادية؛ ولذلك نجد "شوقيًّا وحافظًا" يشتركان في قصيدتيهما في كثير من المعاني، وكل ما يمكن أن يكون بينهما من فرق هو أن هذا يعرض المعنى في صورة لفظية, وذاك يعرضه في صورة أخرى. وصحيح أن مجرد اختلاف الصورة اللفظية يؤدي إلى اختلاف في المعنى، وهذا مسلم به بوجه عام، ولكن يلاحظ أن "شوقيا" و"حافظا" قد حلقا في آفاق واحدة، أو غاصا في أعماق قريبة متشابهة. وكل ما في الأمر أن "شوقيا" كان أكثر تهويلا في عرضه لهذه المعاني المشتركة, ولكنهما يشتركان كذلك في تناولهما للمعنى على حدة، مستقلًّا في كثير من الحالات عما قبله وما بعده. وبعبارة أخرى نقول: ليست المعاني عندهما تأتي نتيجة لامتدادات تطورات للموقف النفسي "موقف الشاعر" الذي دفع الشاعر عند اللحظة الأولى لكتابة الشعر، ولكنها دفعات بعيدة مستقلة، فإذا بها في القصيدة أبيات أو مجموعات من الأبيات متباعدة، تكاد تكون مستقلة، فهما إذن يتناولان المعاني الجزئية على حدة، ثم هما يضمان هذه المعاني آخر الأمر في صورة نهائية. وأكتفي -منعًا للإطالة- بتقديم هذه الأبيات من قصيدة شوقي:
دستورهم١ عجب الدنيا وشاعرهم ... يد على خلقه لله بيضاء
ما أنجبت مثل شكسبير حاضرة ... ولا نمت من كريم الطير غناء
نالت به وحده إنجلترا شرفًا ... ما لم تنل بالنجوم الكثر جوزاء
لم تكشف النفس لولاه ولا بليت ... لها سرائر لا تحصى وأهواء
شعر من النسق الأعلى يؤيده ... من جانب الله إلهام وإيحاء
فبقليل من الحس الأدبي نستطيع أن ندرك أن كل بيت من هذه الأبيات قد نظم أولا مستقلا عن الأبيات الأخرى، ثم جمع الشاعر بينها في هذا الترتيب الذي كان من الممكن أن يكون على نحو آخر، والذي لا ترتبط فيه الأبيات برباط حيوي، وبخاصة إذا نظرنا إلى العلاقة المفتعلة بين البيت الأخير وما قبله.
أما الظاهرة الرابعة وهي ارتباطهما بالمأثور اللغوي القديم وبالصور التقليدية القديمة, فلعله يتضح لنا في كل بيت وكل صورة, وربما كانت هذه الظاهرة أوضح في قصيدة شوقي منها في قصيدة حافظ. وبنظرة سريعة في القصيدتين تتضح لنا هذه