ولا شك أن العناصر التي استخدمها شوقي "السماء، الشؤبوب، العسل، الصهباء" لها صلتها الوثيقة بحياة البيئة العربية القديمة، ومن ثم كان لها إيحاءاتها وإشعاعاتها النفسية الخاصة لدى العربي القديم. أما حينما يعتمد عليها شوقي، في مصر، وفي القرن العشرين؛ لكي ينقل إلينا من خلالها إحساسه إزاء إنتاج شكسبير، فإنه يكون من الغريب أن تنقل هذه العناصر بقيمها القديمة في موضوع جديد, ومن هنا كان التباعد الشنيع بين ما توحيه الصورة عند شوقي وبين الموضوع الذي يتحدث فيه.
هذه الظواهر الفنية المختلفة تجمل لنا فن الشاعرين. وهناك ملاحظة عامة يشترك فيها الشاعران كذلك، وهي جهلهما بالموضوع الذي تعرضا له، فالصورة التي يصور بها شوقي شكسبير صورة غريبة عن شكسبير من جهة، ثم هي لها طابع عام يصلح أن يكون لغير شكسبير من جهة أخرى. فهو حين يقول عن شعر شكسبير أنه:
شعر من النسق الأعلى يؤيده ... من جانب الله إلهام وإيحاء
من كل بيت كآي الله تسكنه ... حقيقة من خيال الشعر غراء
وكل معنى كعيسى في محاسنه ... جاءت به من بنات الشعر عذراء
فليس هذا إلا وصفًا عامًّا يصلح أن يقال لغير شكسبير كذلك من كبار الشعراء. ومعنى هذا أن الشاعر لا يشخص لنا الظاهرة التي يتحدث عنها، بل يتناولها تناولا عاما.
وليس حافظ أقل من صاحبه في هذا التناول العام، فهو يقول عن مسرحية "هاملت" للشاعر:
وأقعدني عن وصف "هامليت" حسنها ... وفي مثلها تعيا البراعة والفهم
وأعتقد أن هذا الوصف لمسرحية هاملت لا يعني شيئًا آخر سوى أن "حافظًا" لم يجد ما يقوله عنها، فخلع عليها صفة الحسن، وليس أعم منها بين الصفات، ثم إن الإنسان لا يدري للحسن أدنى علاقة بالمسرحية.
وكل هذا يصل بنا إلى حقيقة عامة هي أنهما لم يتناولا شكسبير من حيث هو ظاهرة إنسانية فريدة كان لها وقع خاص في نفسيهما, فانفعلا إزاءها بشتى الانفعالات، ثم أرادا أن يصورا لنا كل ذلك، وإنما قد تناولا شكسبير على أنه موضوع ينبغي أن