بالطابع الخطابي وبطريقة النظم- يرتبط كذلك بمعجم الشعر القديم، فما تزال كثير من ألفاظه أثرًا من آثار الشعر القديم, وهي ألفاظ فقدت كثيرًا من حيويتها بالنسبة لنا, وسأسوق هنا بعض الأبيات التي توضح تلك الرواسب. فمن الناحية الخطابية نبدأ بمطلع القصيدة:
أبا القوافي ورب الطرس والقلم ... ماذا أفادك صدق العلم في الأمم
ثم حين ترتبط الخطابة بالحكمة، وحين تتوالى أبيات الحكمة:
ما أكثر البر باسم لا غناء به ... وأندر البر بالأرواح والنسم
لا يقدر الناس يومًا أجر سادتهم ... وإنما يقدرون الأجر للخدم
أجر العظيم زماع في جوانحه ... يجزيه بالأمن أحيانًا وبالألم
ثم حين تدعو طريقة النظم إلى تعقيد التركيب اللفظي نتيجة لكثرة الضمائر العائدة:
أغناه باللهو عما أنت ضامنه ... من ليس يغنيك عنه بالنهي العمم
أما الارتباط بمعجم الشعر القديم فيتضح في استخدام ألفاظ مثل: الأطم واللمم والأين وذرى إرم. وليس الارتباط بالألفاظ وحدها بل بصور التعبير التقليدية.
أو يكبروك فماذا قول مسرجة ... للشمس هذا ضياء الكوكب العلم
أو في قوله:
تقاربت عندك الأقدار والتهمت ... حياتك الخلق طرا كل ملتهم
مما يذكر بمعاني المدح في القصيدة القديمة.
ولكن ذلك كله لا يجعل قصيدة العقاد قصيدة تقليدية من كل الوجوه؛ لأن القصيدة -بعد- قد تضمنت أجزاء من تجاربه، ومحاولة جادة وصادقة لتصوير هذه التجارب.