للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماله ودمه وحسابه على الله" علّق حُرمة المال والدم على شيئين:

الشيء الأول: أن ينطق بكلمة لا اله إلاَّ الله.

الشيء الثاني: أن يكفر بما يُعبد من دون الله، فإذا تحقق هذان الشيئاًن حرُم ماله ودمه، لأنه صار مسلماً، والمسلم يحرُم دمه وماله.

"وحسابه على الله " فإن كان صادقاً في قول هذه الكلمة فإنه يكون مسلماً حقًّا، باطناً وظاهراً ويدخل الجنة، وإن كان قالها ظاهراً فقط فهذا هو النفاق، وذلك يحقن دمه ويحرم ماله، ولكنه في الآخرة يكون في النار {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} .

فمن قال لا إله إلاَّ الله كَفَفْنا عنه وحقنا دمه وحرّمنا ماله، أما دخوله الجنة، وكونه مؤمناً حقًّا، فهذا عند الله سبحانه وتعالى، هو الذي يعلم ما في القلوب، ويجازي عليها، وحسابه على الله عزّ وجلّ. وإن ظهر منه ما يناقض هذه الكلمة حكم عليه بالردة.

الحاصل؛ أن هذا الحديث بيّن معنى التّوحيد، ومعنى لا إله إلاَّ الله، وأنه النطق بالشهادة مع الكفر بما يُعبد من دون الله عزّ وجلّ والبراءة منه، أما لو قال لا إله إلاَّ الله وهو لا يكفر بما يُعبد من دون الله بأن كان يعبد القبور، ويدعو الأولياء والأضرحة، فهذا لم يكفر بما يُعبد من دون الله، ولا يحرُم دمه ولا يحرُم ماله، لأنه لم يأت بالأمرين، وإنما أتى بأمر واحد، وهو قول: لا إله إلاَّ الله، ولكنه لم يكفر بما يُعبد من دون الله، لأنه يقول إن عبادة القبور ليست بشرك، فهو لم يكفر بما يُعبد من دون الله، فمعناه أنه لا يحقن دمه، ولا يَحْرُم ماله، لأنه ما دام أنه لم يكفر بما يُعبد من دون الله، فإنه لم يحصل المقصود.

فهذا الحديث عظيم جدًّا، وهو حجة للموحّدين على أصحاب الشبه والمشركين، الذين يقولون: من قال لا إله إلاَّ الله فهو المسلم ظاهراً وباطناً ولو فعل ما فعل، يعبد القبور، ويذبح للأولياء والصالحين، ويعمل السحر والشعوذة، ويعمل كل شيء، هو مسلم حقاً ما دام يقول: لا إله إلاَّ الله. ولهذا يقول الشيخ رحمه الله: "لم يجعل النطق بلا إله إلاَّ الله، بل ولا كونه لا يدعو إلاَّ الله، بل ولا معرفة معنى هذه الكلمة، لم يجعل كل هذه الأمور عاصمة للدم والمال حتى يضيف إليها الكفر بما

<<  <  ج: ص:  >  >>